القديس يوحنا الحبيب " الرسول
هو يوحنا بن زبدي أخو يعقوب، من بيت صيدا في الجليل. دعاه الرب يسوع وأخيه يعقوب فيما كانا في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان الشباك، فتركا السفينة للوقت وأباهما وتبعاه (متى 21:4-22).
صفاتُهُ:
كان يوحنا أكثر تلاميذ الرب يسوع تعلّقاً بالبتولية والنسك، حتى أن الكنيسة وصفته بالرسول: البتول المعادل الملائكة. كما أن محبته للمسيح كانت عظيمة وسيرته ممتازة فعرف بالتلميذ "الحبيب" هو الذي اتكأ على صدره في العشاء الأخير.
كُتُبنا الليتورجية تسمّيه صديق المسيح وتقول عنه أنه ساكن المسيح منذُ الطفولة، ربما دلالةً على صلة القربى التي يُظن أنها كانت بينهما من خلال أم يوحنّا المدعوة سالومي والتي قيل إنها كانت إحدى بنات يوسف البار، رجل مريم، من زواجه الأول.
تبع الرّب يسوع وحده دون باقي التلاميذ حتى وهو على الصليب فأتمنه حينئذٍ على العذراء مريم كأنّه إبن آخر لها وأخ ليسوع معلّمه.
بشارتُهُ:
ورد في تقليدنا الكنسي أن بشارة يوحنّا، كانت في أسيا الصغرى حيثُ كانت جذور الوثنية عميقة وحيثُ انتشرت الأفكار والتيارات، على اختلاف توجُّهها، بكثافة وعلى نطاق واسع. أفسس هي المدينة البارزة في أسيا الصغرى التي تركّز فيها عمل الرسول يوحنا الكرازي. وقد لاقىَ هناك مقاومة شديدة وواجه الموت أكثر من مرّة لأن عبادة الآلهة ارتميس وتعلق أهل المدينة بها أثار عليه سخط جماعات كثيرة، كما تحرّك السحرة بكلّ قواهم وأعاجيبهم ضده، لكنّه بنعمة الله وآيات كثيرة حُفظ سالماً وهدى كثيرين وعمّدهم.
كان يوحنا واحداً من التلاميذ المقربين الى الرب يسوع مع يعقوب أخيه وبطرس. كان هو (مع إندراوس) أول مَنْ تبعه فى بشارته (يو1: 40)، وآخر مَنْ تركه عشية آلامه من بعد موته… هو الذى سجل لنا خطاب الرب يسوع الرائع عن الإفخارستيا (يو 6). وهو الذى إنفرد بين الإنجيليين بذكر لقاء الرب مع السامرية (يو 4) وموقفه من المرأة الزانية التى أمسكت فى ذات الفعل (يو 8)، وشفاء المولود أعمى (يو 9)، وإقامة لعازر من الموت (يو 11)، وصلاته الوداعية (يو 17)… ويوحنا هو واحد من التلاميذ الثلاثة الذى صحبه فى إقامة ابنة يايروس من الموت، وفى حادث التجلى وفى جثسيمانى ليلة آلامه. وبكر مع بطرس وذهب إلى قبر المخلص فجر أحد القيامة. وكان حماسه وحبه ظاهرين. حتى أنه سبق بطرس ووصل أولاً إلى القبر… وهو الوحيد بين التلاميذ الذى إستطاع أن يتعرف على الرب يسوع حينما أظهر ذاته على بحر طبرية عقب قيامته، وقال لبطرس ” هو الرب”(يو21 : 7).
والقديس يوحنا لم يكن- كما يتصوره البعض شاباً رقيقاً خجولاً- بل كان له وضع بارز فى الكنيسة الأولى. نقرأ عنه فى الاصحاحات الأولى من سفر الأعمال ونراه جنباً إلى جنب مع بطرس أكبر الرسل سناً. نراهما متلازمين فى معجزة شفاء المقعد عند باب الهيكل ( أع 3)، وأمام محكمة اليهود العليا (السنهدرين) يشهدان للمسيح (أع 4). وفى السامرة يضعان أياديهما على أهلها ليقبلوا الروح القدس (أع 8).
بدو أن خدمته الكرازية فى الفترة الأولى من تأسيس الكنيسة كانت فى أورشليم والمناطق القريبة منها. فالتقاليد القديمة كلها تجمع على بقائه فى أورشليم حتى نياحة العذراء مريم التى تسلمها من الرب كأم له ليرعاها (11) ومهما يكن من أمر فإن يوحنا الرسول- بعد نياحة العذراء مريم ـ إنطلق إلى آسيا الصغرى ومدنها الشهيرة، وجعل اقامته فى مدينة أفسس العظيمة متابعاً ومكملاً عمل بولس وأبولس الكرازى فى آسيا الصغرى (أع 18: 24- 28؛ 19: 1-12) وأخذ يشرف من تلك العاصمة الشهيرة على بلاد آسيا الصغرى ومدنها المعروفة وقتذاك من أمثال ساردس وفيلادلفيا واللاذقية وأزمير وبرغامس وثياتيرا وغيرها، وهى البلاد التى وردت إشارات عنها فى سفر الرؤيا.
وبسب نشاطه الكرازى قبض عليه فى حكم الامبراطور دومتيان (81- 96)، وأرسل مقيداً الى روما، وهناك ألقى فى خلقين (مرجل) زيت مغلى. فلم يؤثر عليه بل خرج منه أكثر نضرة، مما أثار ثائرة الإمبراطور، فأمر بنفيه إلى جزيرة بطمس (12) ، ومكث بها حوالى سنة ونصف كتب أثناءها رؤياه حوالى سنة 95. ثم أفرج عنه بعد موت دومتيان وعاد إلى أفسس ليمارس نشاطه التبشيرى… وكل التقاليد القديمة تؤيد بالإجماع نفى يوحنا إلى جزيرة بطمس فى ذلك التاريخ وكتابته رؤياه هناك … ومن الآباء الذين شهدوا بذلك إيريناوس وإكليمنضس الاسكندرى وأوريجينوس وترتليانوس و يوسابيوس و چيروم وغيرهم (13) .
ومن الألقاب اللاصقة بيوحنا لقب ” الحبيب” فقد ذكر هو عن نفسه أنه كان التلميذ الذى يحبه يسوع (14) … وقد ظل يوحنا رسول المحبة فى كرازته ووعظه ورسائله وإنجيله … وكتابته كلها مفعمة بهذه الروح… روى عنه أنه لما شاخ ولم يعد قادراً على الوعظ، كان يحمل إلى الكنيسة ويقف بين المؤمنين مردداً العبارة: ” يا أولادى حبوا بعضكم بعضاً”. فلما سأموا تكرار نفس هذه العبارة، تساءلوا لماذا يعيد هذه الكلمات ويكررها. فكان جوابه لأنها هى وصية الرب وهى وحدها كافية لخلاصنا لو أتممناها…