G-6R6HE8356F
سير القديسين والشهداء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
"انظروا إلى نهاية سيرتهم؛ فتمثلوا بإيمانهم" (عب7:13)
القديس أغسطينوس *
أوغسطينوس أسقف هيبو | أغسطين ابن الدموع
(13 نوفمبر 354 - 28 أغسطس 430 م.)
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
من تاجست إلى قرطاجنة في روما في ميلانو توبته نياحة مونيكا في روما وأفريقيا سيامته كاهنًا سيامته أسقفًا نياحته كتاباته |
من تاجست إلى قرطاجنة:
في 13 نوفمبر 354 م. بمدينة تاجست من أعمال نوميديا بأفريقيا الشمالية وُلد أغسطينوس، وكان والده باتريكبوس وثنيًا فظ الأخلاق، أما والدته مونيكا فكانت مسيحية تحتمل شرور زوجها وحماتها بصبر عجيب، وبطول أناتها كسبت الاثنين حتى أن رجلها قبل الإيمان واعتمد قبيل نياحته.
كان كل همّ والده أن يرى ابنه رجلًا غنيًا ومثقفًا، وكان معلموه الوثنيين لا يهتمون بسلوك التلاميذ، فنشأ أغسطينوس مستهترًا في حياته ميالًا للكسل.
إذ بلغ السادسة عشرة من عمره أرسله أبوه إلى قرطاجنة ليتمهر في البيان، هناك التقى بأصدقاء أشرار، وصار قائدًا لهم يفتخر بالشر، فتحولت حياته إلى المسارح والفساد. أما عن دراسته فقد عكف على دراسة الفقه والقوانين مشتاقًا أن يرتقي إلى المحاماة والقضاء، وقد تضلع في اللاتينية حتى افتتح مدرسة لتعليم البيان وهو في التاسعة عشرة من عمره.
أعجب أغسطينوس بمذهب شيشرون، فقرأ كتابه "هورطانسيوس" الذي أثار فيه الشوق إلى العفة والبحث عن الحق. قرأ أيضًا الكتاب المقدس لكن ليس بروح الإيمان والتواضع وإنما في كبرياء، فأغلق على نفسه وسقط في "المانوية".
إذ رأت مونيكا ابنها قد انحرف سلوكيًا وعقيديًا، وصار عثرة لكثيرين طردته من بيتها، لكن بمحبتها ردته ثانية، وكانت دموعها لا تجف طالبة خلاص نفسه.
رأت القديسة مونيكا في حلم أنها واقفة على قطعة خشبية (ترمز للإيمان) والكآبة تشملها، وإذ بفتى يلمع بهاؤه أمامها ويشع الفرح من محياه ينظر إليها ويسألها عن سبب حزنها، وإذ أجابت، قال لها: "تعزي ولا تخافي، فها ولدك هنا وهو معك". التفتت مونيكا لتجد ابنها واقفًا معها على الخشبة، فتأكدت أن الله استجاب طلبتها.
في روما:
في عام 382 م. أوعز إليه أصدقاءه بالسفر إلى روما لينال مجدًا وغنى أعظم، فحاولت والدته صده وإذ لم تفلح عزمت على السفر معه. احتال عليها بقوله أنه ذاهب ليودع صديقًا له على السفينة، فسافر تاركًا إياها غارقة في دموعها.
في ميلانو:
أرسل حاكم ميلان إلى حاكم روما يطلب أستاذًا في البيان، فبعث إليه أغسطينوس، وقد دبرت له العناية الإلهية الالتقاء بالقديس أمبروسيوس أسقف ميلان، الذي شمله بحبه وحنانه فأحبه أغسطينوس وأعجب بعظاته، وكان مداومًا على سماعها لما فيها من قوة البيان دون اهتمام بالغذاء الروح الدسم.
سمع من القديس أمبروسيوس تفاسيره الروحية للعهد القديم الذي كان المانيون يتجاهلونه، كما سمعه في رده على أتباع ماني وغيرهم من الهراطقة، فبدأ نور الحق ينكشف أمامه. هنا أدرك أغسطينوس ما للكنيسة من علامات أنها من الله: فيها تتحقق نبوات العهد القديم، وفيها يتجلى الكمال الروحي، وتظهر المعجزات، وأخيرًا انتشارها بالرغم مما تعانيه من ضيق.
أبحرت مونيكا إلى ميلان ليلتقي بها ابنها ويبشرها بترك المانوية، لكن دون قبوله الإيمان الحق، إذ كان منهمكًا في الشهوات، حاسبًا حفظ العفة أمرًا مستحيلًا.
بدأ أغسطينوس يقرأ بعض كتب الأفلاطونيين التي نقلت عن اليونانية بواسطة فيكتريانوس، التي انتفع بها لكنها لم تقده للإيمان.
عاد يقرأ الكتاب المقدس خاصة رسائل معلمنا بولس الرسول فأعجب بها، خاصة في ربطها العهد القديم بالعهد الجديد...
دبرت العناية الإلهية أن يزور سمبليانس حيث بدأ يخبره عن قراءته في كتب الفلسفة الأفلاطونية التي عني بنشرها فيكتريانوس، فأظهر سمبليانس سروره بذلك، ثم عرف أغسطينوس منه عن اعتناق فيكتريانوس للإيمان المسيحي بروح تقوي، فشبت فيه الغيرة للاقتداء به، لكنه كان لا يزال أسير العادات الشريرة.
توبته:
زاره مؤمن حقيقي من كبار رجال الدولة يدعى بنسيانس، فوجده مع صديقه أليبوس وبجوارهما بعض رسائل معلمنا بولس الرسول، فظنها أحد الكتب الفلسفية، لكن أغسطينوس أخبره بأن له زمانًا لا يشغله سوى مطالعة هذه الأسفار، فدار الحديث بينهما حتى تطرق بنسيانس لسيرة القديس أنبا أنطونيوس وكيف تأثر بها اثنان من أشراف البلاط فتركا كل شيء ليسيرا على منواله، وهنا التهب قلب أغسطينوس بالغيرة، كيف يغتصب البسطاء الأميون الملكوت ويبقى هو رغم علمه يتمرغ في الرجاسات. وإذ مضى بنسيانوس، قام أغسطينوس إلى البستان المجاور لمنزله وارتمى على جذع شجرة تين، وتمثلت أمامه كل شروره، فصار يصرخ: "عاصفة شديدة... دافع عني... وأنت فحتى متى؟ إلى متى يارب؟ أتغضب إلى الأبد؟ لا تذكر علينا ذنوب الأولين. فإنني أشعر بأنني قد اُستعبدت لها. إلى متى؟ إلى متى؟ أ إلى الغد؟ ولما لا يكون الآن؟! لما لا تكن هذه الساعة حدًا فاصلًا لنجاستي؟" وبكى بمرارة...
كان ذلك في عام 386 م.، بالغًا من العمر 32 عامًا حين تغيرت حياته وتجددت بنعمة الله، فتحولت القوة المحترقة شرًا إلى قوة ملتهبة حبًا...
عاد القديس أوغسطينوس إلى أليبوس ليذهبا معًا إلى مونيكا يبشرانها أن صلواتها التي دامت قرابة 30 عامًا قد استجيبت، ونبوة القديس أمبروسيوس قد تحققت، هذا الذي سبق فرآها تبكي فقال لها: "ثقي يا امرأة أنه من المستحيل أن يهلك ابن هذه الدموع".
عزم أغسطينس بنعمة الله على ترك تدريس البيان وتكريس حياته للتأمل في كلمة الله والخدمة، فاعتزل ومعه والدته وصديقه أليبوس وابنه أدياتس (غير الشرعي) وبعض أبناء عمه وأصدقاءه في كاسيكاسيوم Cassiciacum بجوار ميلان حيث أقام ستة شهور يتأهب لنوال سرّ العماد، وفي ابتداء صوم الأربعين عام 387 م. ذهب إلى ميلان واعتمد على يدي الأسقف إمبروسيوس.
ومن الجدير بالذكر أنه في الأغلب الشجرة التي ارتمى تحتها هي زيتون، حيث يوجد الآن في الجزائر شجرة زيتون يُطلَق عليها في الحي "زيتونة القديس أوغسطين".
نياحة مونيكا:
سافر القديس أوغسطينس مع ابنه ووالدته وأخيه وأليبوس إلى أوستيا منتظرين السفينة للعودة إلى وطنهم، وكانت الأم تتحدث مع أغسطينوس معلنة بأن رسالتها قد تحققت برؤيتها له كخادم أمين للرب.
بعد خمسة أيام مرضت مونيكا بحمى شديدة، وإذ أُغمى عليها وأفاقت قالت لابنيها: "أين كنت أنا؟... هنا تدفنان والدتكم"... قالت هذا ثم سلمت روحها في يدي الله.
في روما وأفريقيا:
بعد نياحة القديسة مونيكا قرروا العودة إلى روما، حيث جاهد أغسطينوس هناك لدحض بدعة المانويين. ومن هناك انطلق إلى أفريقيا حيث ذهب إلى قرطاجنة ثم إلى تاجست، فوزع كل ممتلكاته واختلى للعبادة والتأمل في كلمة الله ثلاث سنوات، ووضع كتبًا كثيرة.
سيامته كاهنًا:
إذ كان أغسطينوس يزور رجل شريف بمدينة هيبو (تدعى حاليًا إيبونا من أعمال نوميديا) سامه الأسقف كاهنًا بالرغم من محاولته رفض السيامة بدموع، بل وجعله يعظ أكثر أيام الأسبوع.
سكن في بستان ملك الكنيسة وجعله ديرًا حيث امتلأ بالرهبان الأتقياء، كما أنشأ ديرًا للراهبات تحت تدبير أخته.
سيامته أسقفًا:
أقيم أسقفًا مساعدًا لفاليروس عام 395 م. الأمر الذي أفرح قلوب المؤمنين، وإن كان الهراطقة قد حزنوا وأثاروا شغبًا ضد الشعب وحاولوا قتله.
امتاز هذا الأسقف القديس بحبه الشديد للفقراء حتى كان يبيع أحيانًا ما للكنيسة ويوزعه على الفقراء ويحرر به المسجونين. واهتم بدحض أصحاب البدع. وحضر مجمعًا بأمر الملك أونريوس عام 421 م. ضم 275 أسقفًا مؤمنًا و279 من الدوناتيين... فقام يجادلهم ويردهم إلى الإيمان المستقيم.
نياحته:
إذ بلغ من العمر 72 عامًا استعان بأحد الكهنة في تدبير أمور الكنيسة راغبًا أن يكون خليفته، وبقى 4 أعوام يستعد للرحيل، وفي عام 430 م. تنيح وهو في سن السادسة والسبعين، وكانت دموعه لا تتوقف.
كتاباته:
بلغت حوالي 232 كتابًا، منها كتبه التاريخية مثل "اعترافاته" و"الاستدراكات"، ومقالاته الفلسفية مثل "الرد على الأكاديميين" و"الحياة السعيدة"، "خلود النفس"، "في الموسيقى"... وأيضًا أعماله الجدلية ضد اليهود والوثنيين، وضد أتباع ماني وضد الدوناتيين وضد البيلاجيين وضد الأوريجانيين، كما قدم كتبًا في تفسير التكوين والمزامير والرسالة الأولى إلى يوحنا، والموعظة على الجبل، وعن اتفاق الإنجيليين، وتعليقات على الرسالة إلى أهل غلاطية والرسالة إلى أهل رومية وإنجيل يوحنا. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). كما كتب كُتب في النسكيات والأخلاقيات...
السيرة من مصدر آخر هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
مكان ميلاده تاريخ ميلاده والده والدته اخوته طفولة أوغسطينوس اغسطينوس طالبًا مرضه اغسطينوس زعيم عصابة سطو حزن أمه عليه درس الكتاب المقدس طرد أمه له مونيكا تسكب الدموع على أغسطينوس انتقال صديق أغسطينوس وفاة والده اغسطينوس في روما سنة 382 مدرسًا للبيان في روما العلامات الأربعة لكنيسة توبة اغسطينوس تحويل القوة الشريرة إلى قوة حب انتقال والدته عودة اغسطينوس خلوته اغسطينوس كاهنًا سكن اغسطينوس اغسطينوس الواعظ إخراجه للشياطين رسامته أسقفًا من أعمال اغسطينوس آباء الكنيسة الكبار |
مكان ميلاده:-
تاجست بإفريقيا الشمالية " تومبديا ".
تاريخ ميلاده:-
ولد القديس فى 13 نوفمبر سنة 354.
والده:-
اسمه باتريكس وثنيًا "فظ الأخلاق وشريرًا" ولذلك لم يهتم بأولاده من الناحية الأخلاقية والتربوية وكان كل ما يهمه أن يراه رجلًا "عظيمًا".
والدته:-
اسمها مونيكا مسيحية احتملت زوجها الشرير ولم تشتكى لأحد وكانت حماتها أيضًا شريرة.
أخوته:-
كان لأغسطينوس أخ اسمه "تفجوس" كان آبا مسيحيًا لأسره تقية خرج منها راهبتان وكان السبب في ذلك يرجع إلى عمتهما أخت القديس اغسطينوس لم يذكر اسمها والتحقت بدير للراهبات وتقدمت في حياتها الروحية حتى أصبحت رئيسة للدير.
طفولة أوغسطينوس:-
أرضعته أمه مونيكا لبن الأيمان منذ طفولته فكانت هذه التعاليم راسخة فى ذهنه حتى كبر حتى وهو في أسوا حالاته الأخلاقية.
اغسطينوس طالبًا:-
كان محب للعب والكسل رغم انه كان ذكيًا والسبب فى ذلك أن المدرسين لم يهتموا بحياته وسلوكياته وأخلاقياته وكان يكره اللغة اليونانية ويحب اللغة اللاتينية ثم تدهورت حياته حتى وصل إلى درجة الخطأ فى حق زملائه واخوته وحتى أمه أيضًا.
مرضه:-
مرض اغسطينوس ولم يكن قد تعمد فأرادت والداته أن تعمده لأنه لم يكن قد تعمد لتشجيع والدة له على الشر وإهماله الناحية ولكنه شفى ولم يعتمد.
اغسطينوس زعيم عصابة سطو:-
عندما بلغ سنة السادسة عشر سافر إلى قلاطاجنة ليتعلم البيان وفرح لأنه مسافر مع أصحاب الأشرار وهناك صنعوا شرور كثيرة فالتقى بالشريرات وعشق المسارح وصنع الشرور حتى بأماكن العبادة.
حزن أمه عليه:-
حزنت أمه عليه وعلى الحالة السيئة التى وصل إليها من الشر فكانت تنصحه ولكنه كان لا يعتنى بكلامها " يقول فى اعترافاته " لمن أمى كانت تلح على بشدة التحريض لاعتزال الغوانى وكل أسباب الفجور وأما انا فما كنت اعيرها أذنا صاغيه ولا اكترث بأقوالها لأنها أقوال امرأة.
+ عكف اغسطينوس على دراسة الفقه والقوانين لأنه كان يريد أن يكون قاضيًا أو محاميًا
اوغسطينوس يفتح مدرسة لتعليم البنيان وهو فى التاسعة عشر من عمره
اعجب اغسطينوس بمذهب شيشرون لأنه قرأ كتاب هور كانسيوس لشيشرون الذى ضاع فيما بعد فكاتبه يفرط فيه للفلسفة ببلاغة فيصورها مدرسة وفضيلة
تأثر بهذا المذهب مما جعله يشتاق إلى حياة العفة.
درس الكتاب المقدس:-
اراد قراءة الكتاب المقدس وقراءته للكتاب المقدس كانت كأى فيلسوف وكأنه كتاب فلسفى ولم يتأثر به رغم التعاليم السامية التى فيه ولم تعجبه اللغة اللاتينية.
طرد امه له:-
عندما رأت مونيكا انحراف ابنها الخلقى وانحرافه إلى بدعة مانى طردته من المنزل وذلك لأنه جذب أناس من الإيمان ولكن لمحبتها له وعطفها عليه أرجعته مرة أخرى.
مونيكا تسكب الدموع على اغسطينوس:-
كانت أمه تصلى بدموع حارة لأجل خلاص ابنها وحياته الأبدية فرأت وهى نائمة حلمًا أنها واقفة وأمامها فتى فرحًا " قائلًا لها لماذا تبكين.
فقالت له على هلاك ولدى فقال لها لا تخافى واذ بها تراه معها على الخشبه.
كانت مونيكا تصلى بقوة وبدموع وتسأل رجال الدين من أجله فأجابها الأسقف ابروسيوس قائلًا " ثقى يا أمراه انه من المستحيل أن يهلك ابن هذه الدموع " وكان يشجع مونيكا دائمًا انه سيعود إلى الإيمان.
انتقال صديق اغسطينوس:-
انتقل اعز صديق لاغسطينوس الذى كان ملازمًا له دائمًا فقد مرض وطال لمدة سنة وخاف عليه أهله فعمده فشفى وجاء لاغسطينوس فهزأ اغسطينوس بعماده وغضب صديقه لذلك ولكن سمحت العناية الإلهيه بأن ينتقل صديقه مما احزن اغسطينوس جدًا فكره كل شيئ وكان يرى الحياه سوداء فى عينية فالتجاء إلى اتباع مانى فازدادت مشاكله واضطرابه وسئمت نفسه كل شيئ.
و ظل مدة تسعة سنين مخدوع بالبدعة المانوية لأنه كان يظن انهم ينادون بالعفة التى كان يشتاق إليها ولكنه بالبحث عرف بطلان معتقداتهم والقى برئيس البدعة وهو " يفوستوس " وعندما سأله وجده فارغًا وبذلك اكتشف خداع المانونة ولكنه مع ذلك يرجع عن شروره وشهواته.
وفاة والده:-
توفى والد اغسطينوس سنة 371 م.
اغسطينوس فى روما سنة 382:-
سافر إلى روما بإيعاز من أصدقائه وحاولت والدته منعه ولم تفلح. وكانت تريد أن تسافر معه ولكنه كذب عليها وقال انه سيودع أحد أصحابه فذهبت معه عند السفينة وعندما ذهبت لتصلى فى الكنيسة قفز فى السفينة وسافر تاركًا أمه تبكى من أجله وفى روما مرض مرضًا " شديدًا " أوشك فيه على الموت لولا عناية الله له فشفى.
مدرسًا للبيان فى روما:-
عمل مدرسًا للبيان فى روما ودبرت له العناية الإلهية بأن يتقابل بأسقف المدينة القديس ابروسيوس الذى عطف عليه واعجب اغسطينوس به وبعظاته وتفسيره للعهد القديم ورده على بدعة مانى.
العلامات الأربعة لكنيسة:-
وجد اغسطينوس أربعة علامات فى الكنيسة تدل على أنها من الله وهى:-
1- تحقيق نبوات العهد القديم. 2- فيها يتصل الكمال الروحى
3- صنع المعجزات 4- انتشرت رغم العذابات
+ ذهب اغسطينوس إلى ميلان فعرفت امه وذهبت إليه لتهديه وعندما قابلها اخبرها بأنه ترك المانوية ولكنه لم يقتنع اقتناع كلى بالمسيحية فقالت له (لى رجاء بالمسيح قبل مفارقتى الأرض أراك مؤمنًا)
+ قرأ أعسطينوس كتب أفلاطون ولكنها لم تقوده إلى المسيحية.
+ عاد اغسطينوس مره أخرى إلى الكتاب المقدس واعجب برسائل بولس الرسول
+ سمع اغسطينوس بإيمان فيكتريانوس دبرت العناية الإلهية أن يزور اغسطينوس صديقه سيمليانس الذى اخبره بأن فيكتريانوس اعتنق المسيحية فلما سمع ذلك فى إن يكون مثله.
توبة اغسطينوس:-
و بعد دموع طالت 20 عامًا من أمه مونيكا يرجع اغسطينوس إلى إيمانه الصحيح فاحتقر المانويه وبعد موت اعز صديق له احتقر العالم وشهوته وتاب عن شروره وحيات الرزيله واحب سيرة الأنبا انطونيوس وبكى بكاء " مرًا وارتمى على جزع شجرة وكان معه صديقه اليبوسى فتركه وانفرد بنفسه واخذ يبكى فسمع صوت يقول له خذ اقرأ... خذ واقرأ ففتح رسائل بولس الرسول فوجد الآية التى تقول " لنسلك بلياقة كما فى النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر ولا بالخصام والحسد بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرًا " للجسد لأجل الشهوات "
" رومية 13: 13 – 14 ".
تحويل القوة الشريرة إلى قوة حب:-
و تحولت القوة الشريرة التى كانت فيه إلى قوة تلتهب حبًا " وذلك سنة 386 م. وهو يبلغ من العمر اثنان وثلاثون سنة وعاد إليه صديقه أليبوس يخبره بأنه رجع إلى ايمانه المستقيم وذهبا ليخبرا الأم التى لم تكف عن البكاء مدة 20سنة.
+ تكريس حياته وعزم على تكريس حياته للرب وأقام مدة ستة اشهر بميلان ليعتمد ومعه ابنه ادياتس الذى انجبه من الشر وذلك سنة 387 م. فى بداية الصوم الكبير على يد القديس "امبروسيوس".
انتقال والدته:-
و هناك فى ميلان مرضت أمه مونيكا بحمى شديدة بعد خمسة أيام وذلك قبل أن يرجعوا إلى بلادهم فحزن اغسطينوس جدًا عليها وكانت قد بلعت السادسة والخمسين من عمرها وكان اغسطينوس فى الثالثة والثلاثون من عمره.
عودة اغسطينوس:-
عاد اغسطينوس إلى روما ثم إلى قرطاجنة ومن هناك وذهب إلى تاجست وطنه الأصلى وعمل ما احبه الأنبا انطونيوس بأن وزع كل أمواله وممتلكاته.
خلوته:-
اعتكف فى خلوة مع أصدقائه لمدة ثلاث سنوات للصلاة والصوم والتأمل.
اغسطينوس كاهنًا:-
رسمه فاليروس أسقف هيبو (حاليًا ايبوتا من أعمال نوميديا) بإجماع من الشعب رغم رفضه الشديد ألا أن الشعب ألح عليه.
سكن اغسطينوس:-
سكن اغسطينوس فى بستان الكنيسة فجعله ديرًا مليئًا بالرهبان الأتقياء ووضع لهم قوانين يسلكون عليها كما انه إنشاء ديرًا للراهبات تحت رئاسة أخته.
اغسطينوس الواعظ:-
سمح له الأسقف بالوعظ فكانت الناس تعجب جدًا لوعظه وكثرة عمله.
إخراجه للشياطين:-
أعطاه الله نعمة إخراج الشياطين من الناس.
رسامته أسقفًا:-
رسم أسقف على هيبو بعد مرض فاليروس سنة 395 م. وذلك لمساعدته وذلك بمشورة اوريليوس أسقف قرطاجنه وبقية الأساقفة ففرح الشعب جدًا بهذا الاختيار.
من أعمال اغسطينوس:-
+ محبًا للفقراء والمساكين.
+ متضعًا فى حياته.
+ كتب كتبًا كثيرة للرد على الهراطقة
+ حضر مجمع بأمر من الملك اورنوريوس بسبب بدعة الدوناثيون وذلك سنة 421 م.
آباء الكنيسة الكبار:-
كلمة أب تطلق فى العصر الأول على الأساقفة والكهنة والآباء الرهبان،
و لكن فى الحقيقة أن كلمة آب لا تطلق ألا على الذين تعبوا من أجلنا في الأيمان وأيضًا تطلق على أب الاعتراف وأب العماد وأي أب آخر نقول عليه أب وليس أبونا.
كلمة سيدنا غير دقيقة ولكن يقال للأسقف أو البطرك أو ابونا الأسقف أو أبونا البطريرك وليس يا سيدنا لأن كلمة أب أفضل لأنها تحمل معنى الأبوة لأن كلمة أبونا افضل.
عندما نقول "آباء الكنيسة الجامعة"، فمعنى ذلك أن الكنيسة القبطية جمعت القديسين الآباء من كل جنس.. فنحن نؤمن بأن الكنيسة واحدة جامعة رسولية. ومن هؤلاء الآباء:-
القديس يوحنا ذهبي الفم.
القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس "النيزنزى".
القديس غريغوريوس النيسي.
القديس غريغوريوس العجايبي.
القديس غريغوريوس "الأرمنى"، نسبه إلى مكان كرازته ارمينا بآسيا الصغرى.
القديسة مونيكا *
(332-387 م.)
طفولتها:
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
طفولتها حياتها الزوجية حياة الصلاة مع العمل انحراف أغسطينوس رؤيا مطمئنة جهادها لخلاص ابنها |
"أنت الذي جبلتها يا الله...
أما أبواها فلم يعلما في ذلك الحين قيمة الدُرَّة الخارجة من أحشائهما".
وُلدت سنة 332 م. في قرية تاغستا (الآن هي سوق أهراس بالجزائر Souk Ahras، وكامة الأهراس تعني "الأسود" - وتُكتَب خطأ: سوق الأخرس) بشمالي أفريقيا، وتربت تربية مسيحية صادقة. كانت وهي طفلة تترك رفيقاتها أحيانًا وتترك لعبها وتختفي وراء شجرة تركع وتصلي. وكلما كانت تكبر كانت تتفتح في قلبها رياحين المسيحية. كان جمالها بارعًا، وقامتها فارعة، وعقلها سديدًا، وحكمتها عظيمة، ونفسها كبيرة، وعاطفتها قوية.
حياتها الزوجية:
"كانت هي خادمة خدامك يا إلهي. كل من عرفها مجّد اسمك القدوس الذي فيها وسبَّحه وأحبه".
تزوجت مونيكا (مونيكة) بغير إرادتها من رجلٍ وثنيٍ شريرٍ يدعى باتروشيوس، كان يشغل وظيفة كبيرة، فخُدِع أهلها به. كانت أمه حسودة شريرة كما كان الخدم أشرارًا، لكنها أيقنت بعد زواجها أن الله يريدها أن تحمل الصليب، فلم تتذمر لشرور زوجها وحماتها بل كانت تظهر لهما جمال المسيحية ووداعتها.
هُزمت حماتها أمام تواضعها وطول أناتها ولم تعد تسمح للخدم أن يشوا بمونيكا لديها أو لدى باتروشيوس، بل وطلبت من ابنها جلد الخدم الأشرار.
كانت مونيكا تقابل ثورات غضب زوجها بالحلم والصمت والصبر. وحينما كان يهدأ كانت تشكو له برقة وحنان ما نالها من غضبه فكان يلوم نفسه ويّعِد بإصلاح ذاته، لكنه كان يعود لسيرته الأولى. رزقت بثلاثة أولاد كان أكبرهم أغسطينوس، فكانوا موضع عنايتها وكانت تتعزى بهم عن حماقة زوجها وشراسته.
حياة الصلاة مع العمل:
أهم ما تتصف به هذه القديسة البارة هو إيمانها بقوة الصلاة، لقد تم فيها قول الآباء: "طوبى لمن يقف على باب الصلاة". بالصلوات الحارة الخارجة من قلبها المفعم بالإيمان كسبت كلًا من زوجها الشرير وابنها الذي انحرف، شأن شباب عصره.
وضعت في قلبها أنها لابد أن تربح نفس زوجها، وكان إيمانها وطيدًا حتى كانت ترشد المُعَذَبات مثلها بأن الصلاة هي مفتاح الفرج. كانت الثمرة الأولى لصلاتها هي إيمان زوجها الوثني، ففرحت لذلك جدًا ونسيت آلامها، لكنه ما لبث أن مرض ومات وترملت في شبابها.
استجاب الله لدعاء مونيكا فقبل زوجها باترشيوس الإيمان في الوقت الذي كان أغسطينوس في السابعة عشر من عمره.
بعد وفاة زوجها تفرغت لأولادها ولخدمة القريب وأعمال العبادة، فكانت تذهب كل يوم إلى الكنيسة. وهبها الله نعمة الدموع حتى اشتهرت بين قديسي الكنيسة بهذه الفضيلة.
وكانت تخصص أوقاتًا طويلة لزيارة المرضى وخدمتهم وخدمة الفقراء وتعزية الأرامل وتقوية قلوب الزوجات المتزوجات بأزواج أشرار والأمهات اللواتي لهن أولاد شاردون.
انحراف أغسطينوس:
أتم أغسطينوس دراسته في مدرسة مادورا Madaura بثاجست Thagaste وكان متفوقا حتى على معلميه إذ كان موهوبًا وذكيًا.
أراد والده أن يرسله إلى قرطاجنة ليقضى عامين في الدراسة. وكان لا بد من قضاء سنة في بيته حتى يدبر له والده المال اللازم لنفقات الدراسة. وكانت هذه السنة تمثل وباء أفسدت حياة أغسطينوس إذ كان في بطالة وكسل لا عمل له سوى أصدقاء السوء. كان قائدًا لهم في سرقة الكمثرى من حدائق جيرانهم مع أن حديقته كانت مليئة بتلك الثمار. لكنه كان يهوى القيادة، يسرق ليلقى بالكمثرى للخنازير.
برع في دراسته بقرطاجنة وفاق الجميع واشتعل قلبه بحب الحكمة. وكانت أمه تطمع له في المزيد من العلم، إذ كانت تأمل أن العلم يرتقى به إلى معرفة الله.
ما أن وصل ابنها أغسطينوس إلى سن الشباب حتى انحرف انحرافًا خطيرًا، إذ أن سيدة تكبره أغوته وهو شاب صغير. ووصل الأمر به أن صار له خليلات عشيقات وابن غير شرعي.
كانت نصائحها له غير مجدية على الإطلاق. فيقول أغسطينوس بعد توبته في مناجاة لله:
"أمي التقية قد تكلمت، وصوتها على ما أرى كان صدى صوتك. ).
فلأنها كانت تلح عليَّ بشدة لأعتزل الغواني وكل أنواع الفجور، لم أكن أعيرها أذنًا صاغية ولا أكترث بأقوالها، لأنها أقوال امرأة، بينما هي صادرة من لدنك.
فكان امتهاني لها امتهانًا لك، وعدم اعتباري لها عدم اعتبار لأقوالك".
وضعت كل ثقلها في الدموع والصلاة والصوم لكي يعيد الله ابنها. يقول القديس أغسطينوس:
"باتت أمي تبكي عليَّ بكاءً فاق بكاء الأمهات على فقد أولادهن بالموت الجسدي.
وأنت يا مولاي قد استمعت لها.
ولم تزَل تلك الدموع التي كانت تذرفها في صلواتها بين يديك حيث كانت تبلل وجه الأرض بدموعها".
أخذت تركض وراءه من بلدٍ إلى بلدٍ، وهو الابن الضال، وتسأله بدون تذمر أو يأس، وبقيت على هذه الحال عشرين سنة.
رؤيا مطمئنة:
إذ سكبت القديسة مونيكا الدموع لسنوات من أجل ابنها، وطلبت من الكاهن أن يصلي لأجله قدم لها الله تعزية في حلم.
رأت نفسها تقف علي منصة خشبية وإذا بصبي مشرق الوجه يبتسم بينما كان الحزن يملأ كيانها. جاء الصبي يسألها عن سبب حزنها ودموعها المستمرة التي لا تجف، فأجابته: "إنني أبكي من أجل ضياع نفس ابني".
قال لها الصبي: "انظري وتأملي أيتها الأم، في المكان الذي تقفين يقف ابنك أيضًا"، تلفتت مونيكا وإذا بها تقف علي منصة عالية ومعها ابنها أغسطينوس.
روت هذا الحلم على ابنها، أما هو فقال لها: "لا تيأسي يا أمي! فربما تصيرين حرة يومًا ما مثلي" . أما هي ففي يقين بعمل الله قالت له: "كلا! إنه لم يقل لي حيث يكون ابنك تكونين، بل حيثما تقفين فهناك يقف ابنك أيضا".
جهادها لخلاص ابنها:
في عام 382 م. سافر القديس أغسطينوس إلى روما بإيعاز من أصدقائه طلبًا للمجد الزمني والغنى. حاولت والدته أن تصدّه عن ذلك فلم تفلح، لذلك عزمت على السفر معه. احتال عليها بقوله أنه ذاهب ليودع صديقًا له على السفينة تاركًا إيّاها غارقة في دموعها.
طلب حاكم ميلان من حاكم روما أستاذًا للبيان فأرسل إليه أغسطينوس، هناك التقى بالقديس أمبروسيوس أسقف ميلان. أحبه أغسطينوس وأعجب بعظاته لما فيها من قوة البيان، دون أن يهتم بخلاص نفسه.
لم تستسلم القديسة مونيكا بل أبحرت إلى ميلان لتلتقي بابنها.
توسلت في إحدى المرات إلى القديس أمبروسيوس أن يتناقش مع ابنها ليردّه إلى صوابه. ولكنه اعتذر، لأنه كان يدرك أنه لا جدوى من النقاش مع إنسان يعتز بعقله وذكائه وله أسلوب في المراوغة، وطلب إليها الأسقف أن تصلي. لكنها ألحَّت عليه أكثر، فردَّ عليها بعبارة مشهورة:
"اذهبي في طريقك والرب يباركك.
ثقِ يا امرأة أن ابن هذه الدموع لن يهلك".
تركها أغسطينوس إلى روما حيث الشهرة، وكانت الأم تبكي وتتوسل إلى ولدها لكي يبقى إلى جوارها، ليس من أجل راحتها وحنانها وشوقها إليه، إنما كانت دموعها من أجل بُعدِه عن الله، لأنه لم يكن قد نال نعمة العماد بعد ولم تكن هناك بارقة أمل في توبته.
أخيرًا بعد هذه السنوات الطويلة أتت نصيحة الأسقف ثمارها وأنبتت دموع الأم غرسًا مباركًا. تاب أغسطينوس وحق أن يُدعى "ابن الدموع"، وصارت له أمه مونيكا أمًا بالجسد والروح، فقد تمخضت به وولدته إنسانًا للعالم، وناحت عليه حتى ولدته ابنًا للمسيح والكنيسة.
يتذكر أغسطينوس بعد توبته ومعرفته لله أمه ودموعها السخية فيقول في مناجاته لله:
"خادمتك، عبدتك، التي حملتني في الجسد لأولد للنور الزمني.
وحملتني في القلب لأولد للنور الأبدي.
أمي التي أنا أؤمن أن كل ما يفيض فيَّ من حياة يرجع إليها، إلى الدموع الأمينة إلى الدموع الدائمة، إلى دموع أمي وُهِبْتُ حتى لا أهلك".
سافرت إلى ميلان بإيطاليا وحضرت عماد ابنها أغسطينوس على يد أسقفها العظيم أمبروسيوس مرشده الروحي، وكانت فرحتها لا توصف. وارتفع قلبها إلى عرش الله مع من كانوا يسبحون قائلين: "نسبحك ونباركك يا الله. بالحقيقة نعترف أنك ربنا. الأرض وملؤها تسجد لك أيها الآب الأزلي. أنت الذي يقف أمامك الملائكة والرئاسات والسلاطين والقوات. أنت الذي يسجد أمامك الشاروبيم والسيرافيم يمجدونك على الدوام صارخين بغير سكوت قائلين قدوس قدوس قدوس".
بعد العماد أراد أغسطينوس العودة إلى أفريقيا فرافقته أمه مونيكا في السفينة وكانت تقول له: "يا بُنيَّ إن بقائي على الأرض أضحى فضوليًا، ولا أدري لماذا لا أزال حية، لأنه لم يبقَ لي شهوة أطمع فيها فلقد تحققت رغباتي كلها".
وبعد خمسة أيام من هذا الكلام مرضت مرضها الأخير الذي عبر بها إلى الأبدية. وقالت لابنها: "ادفنِّي أينما شئت. أسألك فقط أن تذكرني دائمًا أمام هيكل الله أينما كنت وحيثما اتجهت". وفارقت روحها جسدها وانطلقت إلى المسيح الذي أحبته وهي تصلي وتتشفع بالعذراء الطاهرة والقديسين سنة 387 م.، ولها من العمر ست وخمسين سنة.
يُعلق القديس أغسطينوس على انتقال أمه بقوله:
"كنت أشعر بأمواج من الأحزان تثور في أحشائي.
وكنت أتماسك لكي لا أذرف الدمع أمام أمي وهي في لحظاتها الأخيرة، بل كنت جاثيًا
أمامها كمن يجثو أمام الأيقونات في الكنيسة".
القديس أمبروسيوس | أمبروزو *
أمبروسيس أسقف ميلان | أمبروز | أمبرسيوس
(337/340 - 4 إبريل 397 م.)
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
نشأته إمبروسيوس حاكم ميلان إمبروسيوس الأسقف جهاده توبة الإمبراطور ثيؤدوسيوس مع أغسطينوس نياحته أعماله وكتاباته |
Saint Ambrose / Aurelius Ambrosius
تبقى سيرة القديس الأنبا إمبروسيوس أسقف ميلان (أمبروزيوس) صورة رائعة تشهد للرعاية الروحية الصادقة، وتكشف عن حياة المؤمن الرافض لمجد العالم مكرسًا كل علمه وطاقاته لبنيان النفوس في الرب، كما تعلن عن كنيسة البيت التي تثمر بركات بلا حصر!
نشأته:
ولد عام 340 ميلادية من أسرة تقية، فقد كان والده حاكِمًا لبلاد الغال (فرنسا) في عهد قسطنطين الصغير (ابن قسطنطين الكبير)، مقره تريف. وكانت أخته مارسيلينا التي تكبره بحوالي 10 سنوات إنسانة تقية قامت بدور فعّال في حياته كأم أكثر منها أختًا، أما أخوه ساتيروس الأكبر منه فمتقارب معه في السن.
يروي لنا سكرتير إمبروسيوس أنه لما كان طفلًا مضطجعًا في مهده في بهو القصر رأت المربية أسراب نحل يدخل فم الطفل إمبروسيوس وتخرج فاضطربت، لكن والديه وأخته اقتربوا منه ولم يزعجوه، وبعد برهة طار النحل وارتفع عاليًا حتى غاب عن الأنظار، وعندئذ قال الأب: "هذا الطفل سيكون عظيمًا".
وإذ كان في الثالثة عشرة من عمره أقام ليبريوس أسقف روما مارسيلينا مكرسة للعبادة والخدمة. وإذ تنيح الوالد انتقلت الوالدة والولدان إلى قصرهم بروما حيث عاشت معهم العذراء المكرسة مارسيلينا وصديقة لها عذراء، فكان القصر ديرًا يضم أسرة تتسم بالوداعة والبساطة مع الحب المتبادل في الرب.
كان إمبروسيوس وأخوه يدرسان معًا اللغة اليونانية والقانون الروماني والبيان والبلاغة.
إمبروسيوس حاكم ميلان:
إذ كان إمبروسيوس منطلقًا من روما إلى ميلان ليتسلم عمله كحاكم ميلان، أوصاه صديقه بترونيوس بروباس: "لا تعمل كقاض بل كأسقف"، وكان يقصد ألا يطلب السلطة بل يقدم أبوة حانية وحبًا لكل إنسان، وكان ذلك الصوت نبوة وهو لا يدري.
جاء إمبروسيوس إلى ميلان ليجدها ميدانًا مضربًا بالمجادلات الأريوسية، إذ كانت تابعة للأسقف الأريوسي أوكسنيتوس، الذي لم يمضِ عام على مجيء إمبروسيوس لينتقل الأسقف، فتحولت المدينة إلى صراعات مرة حول اختيار الأسقف الجديد.
علت المجادلات حول اختيار الأسقف في وسط الكاتدرائية فاضطر إمبروسيوس أن يحضر بصفته حاكم المدينة. وعند دخوله سمع الكل صوتًا واضحًا يقول: "إمبروسيوس هو الأسقف"، وتكرر الصوت، فاندفع الكل يطلب سيامته، أما هو فقاوم وهرب لكنه تحت إلحاح الشعب رضخ أخيرًا.
إمبروسيوس الأسقف:
اعتمد إمبروسيوس على يَدي صديقه القديم الكاهن سمبليكيان الذي قال: "قد تكون لي صداقة مع كثيرين، وأما صداقتي مع إمبروسيوس فهي صداقة الأب مع ابنه". هو ذاك الكاهن الذي استطاع أن يجتذب فيكتريانوس الأستاذ الوثني الذي ترجم كِتابات أفلاطون وعلّم شباب أشراف روما المسيحيين، الأمر الذي كان له أثرة في رجوع أغسطينوس وتوبته.
أرسل إليه القديس باسيليوس الكبير يهنئه على قبوله مسئولية الرعاية. وجاءت إليه أخته مارسيلينا من روما لتعيش معه، وحتى حين كانت تتركه للخلوة في منزل بريف ميلان، كانت على اتصال به خلال الرسائل. كانت تشاركه صلواته ودراساته وخدمته للفقراء. كما جاء إليه أخوه ساتيروس الذي تولى إدارة شئون الأسقفية وتدبير الأمور المادية، بقلب نقي ونفس زاهدة ولم يكن بعد قد نال سرّ العماد (وهذه نقطة ضعف في حياته؛ أي تأخره في العماد).
في عام 378 سافر ساتيروس إلى أفريقيا فغرقت السفينة وأنقذه الرب بأعجوبة حتى نال سرّ المعمودية وتنيح في ميلان بين يدي أخيه وأخته، فرثاه القديس إمبروسيوس، قائلًا: "لماذا أبكيك يا أخي الحبيب؟... لقد تغير المكان فقط، ومن الآن ستكون أرواحنا معًا"... وبعد ثمانية أيام ألقى القديس عظته المشهورة عن "الإيمان بالقيامة".
جهاده:
كان جهاد القديس إمبروسيوس لا يتوقف، فمن الداخل كانت الأريوسية قد بثًّت بعض التفاسير المتحررة والغريبة، كما كانت الوثنية لا تزال تحارب المسيحية وتدس فيها بعض المفاهيم الخاطئة كتحويل أعياد القديسين إلى مهرجانات عالمية، وأيضًا كان عليه إصلاح ما يعم المجتمع من فساد وظلم.
دخل الأسقف مع الشعب في صراع ضد الإمبراطورة يوستينة الأريوسية التي استسلمت أخيرًا للواقع حينما وجدت حتى الجند لا يقبلون الأريوسية.
توبة الإمبراطور ثيؤدوسيوس:
كان موقف القديس إمبروسيوس لا يُحسد عليه حينما استشاط الإمبراطور غضبًا على أهل تسالونيكي لأن عامة الشعب قتلوا أحد ضباطه، فدعي الشعب لمشاهدة المباريات في الساحة، وإذ جمعهم أصدر أمره للجنود بقتلهم فهلك الألوف وصار فزع في كل المملكة.
كان ثيؤدوسيوس مقتنعًا أن ما فعله كان من قبيل العدالة، وإذ أراد دخول الكنيسة منعه القديس إمبروسيوس حتى يقدم توبة عملية وعلنية ويصلح ما أمكن من آثار هذه المذبحة. هنا يقف الأسقف لا موقف صاحب سلطان أو منازع للسلطة وإنما كأب روحي، كان حازمًا كل الجزم مع الإمبراطور وكان أيضًا يفتح له أبواب الرجاء بكل حب وحنو، لذلك حينما حاول المحيطون بالإمبراطور أن يصوروا الأسقف بالشخص المتسلط العنيف لم يقبل الإمبراطور، وإنما بعد فترة قدم دموع توبة وانسحاقًا حقيقيًا وسجد حتى الأرض ليقبل الله توبته. هنا طالبه الأسقف بسن شرائع لحماية الضعفاء، منها عتق الأبناء الذين باعهم الآباء بسبب الفقر، وإصدار قانون يحمي الشعب من قسوة بعض الرجال الرسميين سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، وألا ينفذ حكم الإعدام على أحد إلا بعد 30 يومًا من صدور الحكم. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). حتى تُعطى فرصة للحاكم أن يراجع نفسه.
انتهت القصة بصداقة حميمة بين الإمبراطور والأسقف لم تنفصم عراها حتى الموت، حتى إنه عندما انتصر الإمبراطور في موقعة أكويلا أرسل إلى الأسقف رسالة يقول له فيها إنه مدين له بانتصاره، فحمل الأسقف الرسالة إلى المذبح، وكتب إلى الإمبراطور يقول له: "لقد وضعت رسالتك مع الذبيحة حتى يتكلم إيمانك أمام الله في نفس الوقت الذي أنطلق فيه أنا بالصلاة".
ظهرت أبوة إمبروسيوس حين شفع في المأسورين من الوثنيين بأكويلا حتى لا ترتاع جماهير الوثنيين بميلان أو غيرها من البلاد، وقد قبل الإمبراطور الأمر الذي كان له أثره في حياة الوثنيين.
وفي 19 يناير سنة 395، أي بعد خمس سنوات من توبة الإمبراطور، وبعد بضعة أسابيع من نصرته في أكويلا رقد الإمبراطور وهو مستند على صدر الأسقف، وكان يناديه باسمه في اللحظة الأخيرة.
مع أغسطينوس:
لقد أُعجب أغسطينوس وهو بعد مانيًا بالأسقف من أجل البلاغة والبيان، ولكن الأسقف استطاع أن يسحبه للإيمان. وكان الأسقف يعزي القديسة مونيكا، كما كان معجبًا بإيمانها ودموعها التي لا تجف بسبب أغسطينوس، وقد تم عماد أغسطينوس على يديه في أبريل عام 387 م.
نياحته:
بعد عامين من وفاة الإمبراطور توقف إمبروسيوس عن الكتابة بسبب المرض، وقد استمر في قراءاته وتأملاته، حتى قال عنه سكرتيره بولينوس إنه إذ كان يتأمل دفعة توهج وجهه كالنور.
حدث أنه في أحد الأيام بينما كان يصلي مع صديقه سمبليكيان الذي كان يلازمه ملازمة الظل أن رأى إمبروسيوس السيد المسيح يقترب منه بابتسامة إلهية ويدعوه لمرافقته في السماء، فعلم أن وقت رحيله قد أزف.
في يوم الجمعة الكبيرة، في 4 أبريل عام 397، مّد القديس ذراعيه على هيئة صليب ولم يغير هذا الوضع لمدة ساعات حتى أسلم روحه.
في اللحظات الأخيرة إذ تجمع الكل حول الراعي الأمين وقف جماعة من الشمامسة في ركن من الغرفة يتهامسون عمن يخلف القديس إمبروسيوس. اقترح البعض سمبليكيان، وأجاب البعض إنه كبير السن، وإذا بالقديس يفتح شفتيه ليقول: "إنه كبير السن لكنه فاضل!". ارتاع الشمامسة وخجلوا حتى تركوا الحجرة وتحققت كلمات الأسقف.
أعماله وكتاباته:
بالرغم من اهتمامه الشديد بعمله الرعوي والمتاعب التي لاحقته، فقد ترك القديس إمبروسيوس تراثًا ثمينًا. فمن جانب اهتم بتنظيم العبادة الليتورجية العامة في إيبارشيته، فقدم تدبيرًا ليتورجيًا جميلًا يعتز به أهل ميلان، كما أدخل نوعًا من الموسيقى الكنسية دُعيت بالإمبروسية Ambrosian، أما كتاباته وعظاته فتضم كتابات عقيدية، وتفسيرية، ونسكية - أخلاقية، وعظات، ورسائل.
1. من كتاباته العقيدية كتاب عن الثالوث القدوس يشرح فيه عقيدة التثليث، ويؤكد لاهوت السيد للرد على الأريوسيين، وآخر عن الروح القدس، وعن سر التجسد الإلهي ضد الأريوسيين والأبوليناريين، وعن الأسرار، وعن التوبة ضد أتباع نوفاتيان ليؤكد سلطان الكنيسة في حل الخطايا وضرورة الاعتراف وأهمية الأعمال الصالحة، وكتاب يرثي فيه أخاه يحوي حديثًا عن عقيدة القيامة.
2. من كتاباته التفسيرية 6 كتب عن أيام الخلقة الستة "هكساميرون"، وتعليقات على "قايين وهابيل"، "فلك نوح"، "إبراهيم" الخ...
3. من كتاباته النسكية والسلوكية كتابه عن شرف البتولية، وآخر عن الترمل الخ...
4. عظاته.
5. رسائله، توجد منها 91 رسالة تعالج مواضيع تاريخية وعقيدية وأخلاقية وكتابية، كما تحوي رسائل عن الصداقة. هذه الرسائل تكشف عن سمو شخصيته، وغيرته المتقدة، وورعه، وثقافته العالية، وسلطانه المملوء حبًا.
القديسة مارسِلِّينا العذراء شقيقة القديس أمبروسيوس الميلاني *
(327-398 م.)
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
رعاية أخويها عذراء مكرسة |
St. Marcellina
رعاية أخويها:
القديسة مارشلينا هي الأخت الكبرى للقديس إمبروسيوس أسقف ميلان. تنتمي هذه العذراء الشماسة إلى أسرة عريقة في الغنى وفي الإيمان. كان والدها حاكمًا لفرنسا في أيام الإمبراطور قسطنطين الصغير.
في بداية حياتها ذهبت إلى روما مع عائلتها، وفي هذه السن المبكرة بدأت تكرس قلبها لطلب الله وحده. وإذ أخذت مسئولية رعاية أخويها، شحنتهما بمحبة الفضيلة لا ككلمات أو شكل يمارسونه، لكن كحياة فاضلة مقدسة. عاشت كأم روحية لأخيها أمبروسيوس الذي صار أسقفًا على ميلان.
عذراء مكرسة:
كان قلب مارسيلينا ملتهبًا بالحب الإلهي، تسهر الليالي في القراءات الروحية، وتقف الساعات الطويلة في الصلاة بلا مللٍ. وكانت تعين والدتها في شئون المنزل اليومية. وكَلّلت حبها له حين قرّرت ترك العالم.
رفضت مارسيلينا الزواج، إذ وضعت في قلبها أن تكرس حياتها لعريسها السماوي.
في عيد الميلاد لعام 353 م. أقامها ليبريوس أسقف روما Liberius مكرسة للعبادة والخدمة في كاتدرائية القديس بطرس. وفي عظته لهذه المناسبة حثّها الأب الأسقف أن تحب الرب يسوع من كل قلبها، وأن تحيا في الصلاة الدائمة وإماتة الجسد وأن تقدس الكنيسة وتحترمها.
كانت في تدبيرها تمارس حياة روحية عالية، فكانت تصوم يوميًا إلى المساء، وتقضي معظم اليوم والليل في الصلاة والقراءات الروحية. وقد استمرت في روما بعد نياحة والدتها، وكانت تعيش في بيت خاص مع امرأة أخرى. وقد عاشت بعد نياحة شقيقها القديس إمبروسيوس.
كانت تساعد أخاها في خدمة الفقراء والمحتاجين، وفي افتقاد الشابات والنساء. كما كانت تخدم في الكنيسة وفي معمودية النساء اللواتي قبلن الإيمان المسيحي.
التف حولها كثير من العذارى اللواتي دخلن حقل التكريس وميدان الخدمة، كما التحقت بعضهم بأديرة الراهبات.
أهدى القديس أمبروسيوس كتاباته عن كرامة البتولية إلى شقيقته، وبعد رسامته أسقفًا لميلان زارته هناك عدة مرات ليتحدثا في الأمور الروحية ولتساعده في تدبير أمور العذارى المكرسات هناك.
كانت نياحتها حوالي سنة 398 م.
العيد يوم 17 يونيو.
القديس ساتيروس الميلاني، شقيق القديس أمبروسيوس *
(؟ - 378 م.)
St. Satyrus
هو الأخ الأكبر للقديس أمبروسيوس، وقد ولد قبل سنة 340 م. في ترير Trier، وكانت شقيقته الكبرى القديسة مارسيلينا. لما توفي والدهما، الذي كان حاكمًا في بلاد الغال، سنة 354 م.، انتقلت الأسرة إلى روما، حيث تلقى الولدان تعليمهما تحت الإشراف الدقيق للأم والأخت الكبرى.
عمل ساتيروس اتجاهًا بالمحاماة ثم صار حاكمًا لمقاطعة صغيرة. لكن عندما اختير أمبروسيوس ليكون أسقفًا لمدينة ميلان سنة 374 م. استقال ساتيروس من عمله ليشرف على الشئون الإدارية لإيبارشية شقيقه. وقد قام بعدة رحلات إلى أفريقيا، وفي آخرها كاد يفقد حياته حين انكسرت به السفينة. بسبب هذا انتهز أول فرصة ليتعمَّد حيث كان من الموعوظين فقط. وقد توفي القديس ساتيروس سنة 379 م. في ميلان فجأة في حضرة شقيقته وشقيقه، الذي وزّع كل ممتلكاته على الفقراء والمحتاجين حسب وصية ساتيروس له. وفي تجنيز شقيقه تحدث أمبروسيوس عن فضائله وأعماله الطيبة ومحبته، طالبًا من الله أن يقبل الذبيحة التي يرفعها إليه من أجل شقيقه.
العيد يوم 17 سبتمبر.
القديس باسيليوس الكبير أسقف قيصرية الكبادوك *
(329/330 - 1 يناير 379 م.)
← اللغة القبطية: pi`agioc Bacilioc.
نشأته:
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
نشأته عودته إلى وطنه حياته النسكية في ميدان الخدمة العامة سيامته رئيس أساقفة الصعاب التي واجهته محاولة نفيه السنوات الأخيرة نياحته كتابات |
ولد القديس باسليوس الكبير (باسيل) في قيصرية الكبادوك عام 329 من أسرة تضم عددًا من الشهداء سواء من جانب والده أو والدته. فوالد باسيليوس كان يدعى أيضًا باسيليوس احتملت والدته القديسة ماكرينا (جدة باسيليوس) أتعابًا كثيرة في أيام مكسيميانوس الثاني بسبب تمسكها بالإيمان، وقد بقيت حياتها نموذجًا حيًا للحياة الإيمانية الفاضلة والشهادة للسيد المسيح، أما والدته إميليا فقد مات والدها شهيدًا.
كان باسيليوس أحد عشرة أطفال، خمسة بنين وخمس بنات، كان هو أكبر البنين، وقد مات أخ له في طفولته المبكرة وآخر في شبابه (نقراطيوس)، بينما سيم الثلاثة الآخرين أساقفة: باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك، غريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية، أما أكبر الكل فهي ماكرينا على اسم جدتها التي كان لها دورها الحيّ بحياتها التعبدية وأثرها الطيب على إخوتها.
تربى القديس باسيليوس على يديّ جدته ماكرينا في قرية بالقرب من قيصرية الجديدة في منطقة أنيسي Annesi على نهر الأيرس Eris (حاليًا أرماك أو جيكيل). في هذه المنطقة شّيدت أمه أماليا هيكلًا على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية؛ كما تأثر القديس بوالده وأيضًا بأخته الكبرى.
أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة قيصرية كبادوكية، وهناك تعّرف على أشخاصٍ من بينهم القديس غريغوريوس النزينزي، وقد لفتت شخصيته أنظار الكثيرين وهو بعد صبي لنبوغه وسلوكه.
انتقل إلى القسطنطينية حيث درس البيان والفلسفة، ثم ارتحل بعد خمس سنوات (سنة 351 م) إلى أثينا ليكمل دراسته، إذ أمضى قرابة خمسة أعوام هناك، حيث كان قد سبقه إليها صديقه غريغوريوس النزينزي. وقد سجل لنا الأخير الكثير عن القديس باسيليوس، مظهرًا كيف سبقته شهرته إلى أثينا، وكان الشباب ينتظرونه ويودون صداقته. عاش القديسان في مدينة أثينا كروحٍ واحدة في جسدين، يقدمان لنا فصلًا رائعًا في تاريخ الآباء.
هناك التقيا بيوليانوس الذي صار فيما بعد إمبراطورًا يجحد الإيمان ويضطهده.
أحب باسيليوس كل العلوم دون أن تفتر حرارته الروحية، فحُسب كمن هو متخصص في الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب، لكن سموّه العقلي يتضاءل جدًا أمام التهاب قلبه بالروح ونقاوة سيرته.
عودته إلى وطنه:
عاد عام 356 إلى وطنه بعد محاولات فاشلة من أصدقائه وتلاميذه بأثينا لاستبقائه، وفي قيصرية الكبادوك اشتغل بتدريس البيان لمدة عامين تقريبًا بنجاحٍ عظيمٍ. أرسلت قيصرية الجديدة وفدًا لتستميله بإغراءات سخية أن يقوم بالتدريس فيها لكنه رفض. ومع هذا فيبدو أن شهرته وكلمات المديح المستمرة أثرت عليه ففترت نيته في الحياة النسكية لولا تدخل أخته التقية ماكرينا لتكشف له عن بطلان مجد هذا العالم.
في سنة 357 نال المعمودية، وبعد قليل أُقيم أغنسطسًا (قارئًا) على يدّي ديانيوس أسقف قيصرية، فحزن القديس غريغوريوس النزينزي على هذه السيامة المتسرعة.
حياته النسكية:
أفاق باسيليوس على صوت أخته ماكرينا فاشتاق إلى حياة الوحدة، خاصة وأن والدته وأخته حولتا بيتهما إلى منسكٍ اجتذب عذارى من كبرى العائلات في كبادوكية.
نحو سنه 358 م. إذ كان دون الثلاثين، انطلق يبحث عن النساك في الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين، فأُعجب جدًا بحياتهم، خاصة رهبان مصر وفلسطين، فعاد ليبيع كل ما يخصه ويوزعه على الفقراء، ويبحث عن مكانٍ للوحدة. اختار موقعًا في بنطس تسمى "إيبورا" على نهر الأيرس يقترب من منسك والدته وأخته، عُرف بجمال الطبيعة مع السكون. كتب عن الحياة الجديدة هكذا: "ماذا أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟ في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالتراتيل والأغاني الروحية، ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب، مملحًا كل عملٍ بالتسبيح. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، وبالفعل إن لم يضطرب عقل الإنسان لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتدّ إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله".
كان صارمًا في نسكه، حتى أضنى جسده، يمزج النسك بدراسة الكتاب المقدس والعبادة، فاجتمع حوله نساك من بنطس وكبادوكية. ويعتبر هو أول من أسس جماعات نسكية من الجنسين في جميع أنحاء بنطس، وإن كان ليس أول من أدخل الرهبنة هناك.
في ميدان الخدمة العامة:
إذ سمع باسيليوس أن ديانيوس أسقف قيصرية قبل قانون إيمان أريوسي يدعى أريميني Ariminum، ترك خلوته ومضى إلى الأسقف يكشف له عن زلته، فقبل الأسقف قانون الإيمان النيقوي الذي يؤُكد وحدانية الابن مع الآب، وكان على فراش الموت، وبانتقاله خلفه أوسابيوس.
تحت تأثير غريغوريوس النزينزي ذهب باسيليوس إلى أوسابيوس الذي سامه قسًا سنة 364 م. بعد تمنعٍ شديدٍ، وهناك كتب كتبه ضد أونوميوس الذي حمل فكرًا أريوسيًا، إذ أنكر أن الإبن واحد مع الآب في الجوهر، وإنما يحمل قوة من الآب لكي يخلق، وأن الإبن خلق الروح القدس كأداة في يده لتقديس النفوس.
اشتهر القديس باسيليوس جدًا وتعلقت القلوب به، الأمر الذي أثار الغيرة في قلب أسقفه فأدت إلى القطيعة ثم إلى عودته إلى خلوته مع القديس غريغوريوس ليتفرغا للكتابة ضد الإمبراطور يوليانوس الجاحد الذي أصيب بنكسة هيلينية.
إذ ارتقى فالنس العرش حاول بكل سلطته أن ينشر الفكر الأريوسي، فطالب الشعب بعودة باسيليوس، أما أوسابيوس فاكتفى بدعوة غريغوريوس الذي رفض الحضور بدون باسيليوس. إذ كتب للأسقف: "أتكرمني بينما تهينه؟ إن هذا يعني أنك تربت عليّ بيدٍ وتلطمني بالأخرى. صدقني، إذ عاملته بلطف كما يستحق فسيكون لك فخر". وبالفعل عاد الاثنان، فصار باسيليوس سندًا للأسقف وصديقًا وفيًا له خاصة في شيخوخته.
في هذه الفترة أيضًا اهتم برعاية المحتاجين والمرضى، وقد شيّد مؤسسة دُعيت بعد ذلك باسيلياد Basiliad، أُقيمت في ضواحي قيصرية لعلاج المرضى واستقبال الغرباء والمحتاجين، على منوالها ظهرت مؤسسات في مناطق قروية أخرى في الأقاليم كل منها تحت إشراف خوري أبسكوبس.
سنه 368 م. ظهرت مجاعة اجتاحت الإقليم، فباع ما ورثه عن والدته ووزعه، كما قدم الأغنياء له بسخاء فكان يخدم الفقراء بنفسه.
سيامته رئيس أساقفة:
في حوالي منتصف سنة 370 م. توفي أوسابيوس، فأرسل باسيليوس الذي كان هو المدبر الفعلي للإيبارشية إلى القديس غريغوريوس النزينزي بحجة اعتلال صحته، وكان قصده أن يرشحه للأسقفية، وإذ بدأ رحلته نحو باسيليوس أدرك حقيقة الموقف فقطع رحلته وعاد إلى نزنيزا، وأخبر والده غريغوريوس (والد غريغوريوس النزينزي) بالأمر، فقام الوالد بدورٍ رئيسي لتيار باسيليوس، إذ بعث برسائلٍ إلى الأساقفة الذين لهم حق الانتخاب كما إلى الكهنة والرهبان والشعب، وجاء بنفسه محمولًا بسبب شيخوخته وشدة مرضه ليدلي بصوته ويشترك في سيامته عام 370 م. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ).
كان لسيامته آثار مختلفة فقد تهلل البابا أثناسيوس وأرسل يهنيء كبادوكية بسيامته، كما فرح كل الأرثوذكس، أما الإمبراطور فالنس الأريوسي فحسب ذلك صدمة خطيرة له وللأريوسية.
الصعاب التي واجهته:
1. رفض فريق من الأساقفة الاشتراك في سيامته، لكنهم بعد سيامته تحولوا عن عدائهم الظاهر إلى المقاومة الخفية، غير أنه تغلب عليهم في سنوات قليلة بالحزم الممتزج بالعطف.
2. صممت حكومة الإمبراطور على تقسيم كبادوكية إلى إقليمين لإضعاف مدينة قيصرية، وبالتالي الحدّ من سلطة القديس باسيليوس، وقد أُختيرت مدينة تيانا عاصمة للإقليم الثاني، وطالب أسقفها أنتيموس بتقسيم كنسي يتبع التقسيم الإداري. وإذ كانت تتمتع تيانا بذات امتيازات قيصرية، الأمر الذي سبب نزاعًا بينه وبين باسيليوس، اضطر الأخير إلى سيامة مجموعة من الأساقفة لمساندته، منهم أخوه غريغوريوس أسقف نيصص، وقد سبق لنا الحديث عن مقاومة الأريوسيون له، وغريغوريوس صديقه على سازيما، الذي اضطر إلى الاعتزال منها لاستيلاء أسقف تيانا عليها، وأيضًا سام أسقفًا في دورا طُرد منها.
3. لم يمضِ على سيامته سنة حتى دخل في صدامٍ علنيٍ مع الإمبراطور فالنس الأريوسي الذي كان يجتاز آسيا الصغرى مصممًا على ملاشاة الإيمان الأرثوذكسي وإحلال الأريوسية محله، وقد انهار بعض الأساقفة أمامه، أما باسيليوس فلم يتأثر بحاشية الإمبراطور التي هددته بالقتل. أرسل الإمبراطور فالنس مودستس حاكم برايتوريوم ليخيره بين العزل أو الاشتراك مع الأريوسية فلم يذعن له، بل وحينما دخل الإمبراطور الكنيسة في يوم عيد الظهور الإلهي لسنة 372 م. وشاهد الكنيسة تسبح بصوتٍ ملائكيٍ سماوي حاول أن يُقدم تقدمة فلم يتقدم أحد لاستلامها لأنه هرطوقي، وكاد يسقط لولا معاونة أحد الكهنة له، أخيرًا تراءف عليه القديس وقبلها من يده المرتعشة، وقد حاول أن يظهر كصديق للقديس باسيليوس.
محاولة نفيه:
بالرغم من الوفاق الظاهري بين الإمبراطور والقديس فإن رفض الأخير قبول الأريوسيين في شركة الكنيسة أدى إلى اقتناع الإمبراطور أن نفي القديس ضروري لسلام الشرق. إذ أُعدت المركبة لرحيله ليلًا بعيدًا عن الأنظار مرض غلاطس بن فالنس فجأة، فأصرت أمه دومينيكا أن يبقى القديس وطلب الإمبراطور من الأسقف أن يصلي لوحيده ليشفى، فاشترط أن يكون عماده بيدٍ أرثوذكسية، وبالفعل شُفيّ لكنه حنث بوعده إذ عمده أسقف أريوسي فمات في نفس اليوم.
مرة أخرى استسلم الإمبراطور لضغط الأريوسيين، وإذ كان يكتب أمر النفي قُصف القلم أكثر من مرة في يده المرتعشة فخاف.
بجانب هذا تعرض لإهانات كثيرة من الحكام الإقليميين، منهم مودستس عدوه القديم، لكنه إذ أصيب بمرض خطير صلى له القديس فشُفيّ وصار من أقرب أصدقائه، وهكذا كانت يدَّ الله تسنده لتحول أعداءه إلى أحباء.
السنوات الأخيرة:
لازم المرض القديس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة. كما عانى من نياحة كثير من أصدقائه المساندين له مثل القديس أثناسيوس الرسولي (عام 373 م.) والقديس غريغوريوس (والد غريغوريوس النزينزي) عام 374 م.، كما نفيّ أوسابيوس الساموساطي. وقد وجد الأريوسيون فرصتهم للتنكيل بالقديس غريغوريوس أسقف نيصص بعقد مجمع في أنقرا لإدانته وكان الهدف منه جرح مشاعر أخيه.
في 9 أغسطس 378 جُرح فالنس في معركة أدريانوبل ليموت ويحتل غراتيان الكرسي لتنتهي الأريوسية، وكان باسيليوس على فراش الموت فنال تعزية وسلامًا من جهة الكنيسة في لحظاته الأخيرة.
نياحته:
في سن الخامسة والأربعين دعي نفسه "عجوزًا"، وفي السنة التالية خلع كل أسنانه، وبعد سنتين في أول يناير سنة 379 م. سُمع يخاطب الله، قائلًا: "بين يديك أستودع روحي" وفي الحال أسلم الروح، وقد اشترك الكل مسيحيون ووثنيون في جنازته الرهيبة.
كتابات:
1. العقيدة: خمسة كتب ضد أنوميوس، كتاب عن الروح القدس في 30 فصلًا.
2. التفسيرية: الأكسيمارس Hexameron، أي ستة أيام الخليقة في 9 مقالات، 17 مقالًا عن المزامير، تفسير الـ 16 أصحاحًا الأولى لسفر إشعياء.
3. مقالات: 24 مقالًا في مواضيع عقيدية وأدبية ومديح.
4. الرسائل: حوالي 400 رسالة في مواضيع متنوعة تاريخية وعقيدية وأدبية تعليمية وتفسيرية وقوانين، ورسائل تعزية.
5. توجد 3 قداسات باسمه، إحداهم تستخدمه الكنيسة القبطية (وهو القداس الباسيلي).
6. النسكية: القوانين الطويلة والقصيرة (الشائعة والمختصرة)؛ مقالتان عن دينونة الله، والإيمان؛ والأخلاقيات M
القديسة ماكرينا العذراء | ماكرينة الصُّغرى *
(330 - 19 يوليو 379 م.)
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
نشأتها السماء المفتوحة صاحبة القلب المتسع أثرها على إخوتها أثرها على والدتها ترهب والدتها نياحتها اللحظات الأخيرة دفنها |
Saint Macrina the Younger
سيرة القديسة ماكرينا التي سجّلها أخوها القديس غريغوريوس أسقف نيصص هي إنجيل حي عملي مفتوح أمام أعيننا، ترفع النفس إلي السماء لكي يتمتع المؤمن بالوعود الإلهية الصادقة. سيرتها تكشف بقوة عن دور المرأة المسيحية في حياة الكنيسة، فقد قدمت لنا شخصيات قيادية نادرة بفضل اهتمامها بهم.
نشأتها:
وُلدت حوالي سنة 330 م. من أبوين مسيحيين تقيّين غنيّين ذوي صيت، في مدينة قيصرية الكبادوك، يُسميان باسيليوس وإميليا. وكان باسيليوس هذا محاميًا وخطيبًا، ذا مركز سامٍ في المجتمع، له خمسة أبناء وخمس بنات، وكانت القديسة ماكرينا أكبرهم.
في أيام الاضطهاد الذي أثاره دقلديانوس هرب أجدادها إلى منطقة بُنطس Pontus الجبلية لأجل الأمان، وقد عانوا متاعب كثيرة. قيل أن جدّها -لأمها- قد استشهد وفقد ممتلكاته. لكن بعد سنوات قليلة يبدو أن العائلة عادت إلى العاصمة "قيصرية الكبادوك" أو "قيصرية الجديدة" في بنطس واستقرت هناك.
كانت والدتها إميليا تشتهي أن تحفظ بتوليتها، لكن والديها توفيا فبقيت يتيمة. وكانت جميلة جدًا فذاع صيت جمالها، وخشيت لئلا يغتصبها أحد المغرمين بجمالها فقبلت الزواج من باسيليوس التقي.
إذ حان موعد أول طفل لها رأت في حلم أنها تمسك بطفلتها في يديها وقد ظهر لها رجل وقور دعي الطفلة تكلا. وإذ استيقظت ولدت ماكرينا التي حملت سمات القديسة تكلا. ربّاها والداها تربية مسيحية وعلماها القراءة والاهتمام بأعمال المنزل والتزاماته، وكانت تواظب على قراءة الإنجيل ولاسيما سفريّ الحكمة والمزامير. يروي لنا أخوها أنها كانت تردّد المزامير عند بدء ممارستها لأي عمل وعندما تنهيه، وأثناء الأكل وبعده، وقبل النوم وبعده "كانت مزامير داود علي شفتيها بشكل متواصل، ورفيقة لحياتها".
السماء المفتوحة:
كان الشبان يتراكضون إلي أهلها يطلبون يدها، إذ لم يكن من يضارعها في الجمال. هذا ما دفع والدها علي التفاهم معها فقبلت أن تُخطب في الثانية عشر من عمرها من شابٍ تقيٍ. ولكن أصُيب خطيبها بحمى فمات. عزفت عن الزواج ورفضت كل من تقدم بعد ذلك لخطبتها، ووضعت في قلبها أن تصير عروسًا للسيد المسيح.
رأت السماء مفتوحة أمام قلبها، والموت عاجز عن أن يفصلها عن خطيبها. كانت تقول بأن رجلها لم يمت، بل انتقل وهو حي في الله علي رجاء القيامة، وأنه من العار عليها ألا تحفظ الأمانة لرجلها الذي انتقل عنها.
صاحبة القلب المتسع:
تمتعت القديسة ماكرينا منذ صباها بالقلب السماوي المتسع بالحب العملي المستمر حتى آخر نسمة من حياتها.
مات والدها باسيليوس في سن صغير، تاركًا أبناءه وبناته تحت رعاية جدّتهم ماكرينا وأمهم إميليا. وقد عُرفت الجدة والأم بحياتهما المسيحية الملتهبة بالروح والتقوية. وقد ساهمت معهما الابنة ماكرينا الحاملة اسم جدتها في تربية إخوتها وتعليمهم، وقد دّعيت ملاك الأسرة. كرست حياتها لمساعدة أمها في تربية اخوتها وأخواتها الصغار الذين كان من ضمنهم: القديس باسيليوس الكبير والقديس بطرس أسقف سبسطية Sebestea، والقديس غريغوريوس النيسي. وكان لها دورها الفعّال في حياة اخوتها بما تمتعت به من مواهب فكرية وتقوية ونسكية. كان لها الفضل في تعليمهم احتقار العالم وأباطيله ومحبة الصلاة والكتاب المقدس.
أثرها على إخوتها:
يدين لها القديس باسيليوس هذا الكوكب المشرق في كنيسة المسيح بالكثير، قيل أنه بعد أن تعلم في المدرسة رجع مغرورًا جدًا ومتهورًا، ولكن كان لأخته الفضل في تعلمه التواضع. وبالنسبة لبطرس الأخ الأصغر كانت له بمثابة الأب والأم والمعلم والمرشد فكان يتطلع إلي أخته كنموذجٍ ومثالٍ لكل صلاح.، ذلك لأن والدهم توفي بعد ولادته مباشرة. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). اهتمت به روحيًا وعلميًا، فصار حاذقًا في كل الفنون اليدوية في سن الصبا دون معلمٍ أو مرشدٍ. وأما بالنسبة للقديس غريغوريوس أسقف نيصص، ففي الوقت الذي فيه كان الكثيرون يعظمونه ويمتدحونه لنبوغه الفلسفي تقربت إليه القديسة، وسحبت قلبه إلي الفلسفة الحقيقية، فاشتاق إلي الحياة الرهبانية. كان ملتصقًا بها جدًا. لقد دعاها "معلمته"، وخصص كتابًا سجل فيه حياتها، وخاصة ساعة نياحتها حيث كان حاضرًا معها. فيما بعد كتب حوارًا على شاكلة Phaedo لأفلاطون، يحوي حوارًا "عن النفس والقيامة"، مظهرًا أن هذا الحوار قد تم بينه وبين أخته في لحظاتها الأخيرة على الأرض.
أثرها على والدتها:
تميز أخوها نفكراتيوس، الثاني بعد القديس باسيليوس، بمواهبه الطبيعية وجمال جسده مع القوى وسرعة البديهة. ذاع صيته وهو في الثانية والعشرين من عمره، وقد فضل أن يعيش في بقعة صحراوية بالقرب من نهر ايرس (ايريذه) Iris. وكان يخدم الشيوخ والفقراء والمرضي الذين كانوا بالقرب منه. كان ماهرًا في صيد السمك. بعد مرور خمسة أعوام وهو في طريقه إلي النهر ليصطاد سمكًا كعادته ليقدمه للشيوخ مات فجأة دون إصابته بمرض. استطاعت ماكرينا بحكمتها أن تشجع والدتها وتعزيها لتنتشلها من الحزن العميق.
ترهب والدتها:
مارست القديسة ماكرينا الحياة النسكية في بيتها، وكانت نموذجًا حيًا لوالدتها التقية وإذ تحرّرت الأم من مسئولية تربية أولادها وبناتها اشتاقت أن تسلك كابنتها، فكانتا بعيدتين من كل اهتمام دنيوي باطل، وتشبهتا بحياة الملائكة. كان عملها المستمر دراسة الإلهيات والصلاة الدائمة والتسبيح ليلًا ونهارًا بلا توقف. كانت حياتهما سامية مصحوبة بالقوات الملائكية. بعد مدة استقرت هي وأمها في بيت بالقرب من نهر ايريس في بونتس Iris in Pontus، وهناك انضمت لهما سيدات أخريات في حياة شركة ونسك.
اشتركت مع والدتها إميليا في إقامة جماعة ديرية نسائية في ممتلكاتهما ببنطس في منطقة أنسيس Annesis على ضفاف نهر Iris. اقتفي أخوها باسيليوس أثرها وكرَّس حياته مثلها وصار متوحدًا في نفس المنطقة. اجتذب إليه صديقه غريغوريوس النزينزي، وعكفا على العبادة ودراسة كتابات أوريجينوس، وأقاما ديرًا.
شاخت إميليا جدًا ثم انتقلت إلى الرب وكانت بين يدي ولديها ماكرينا فاتحة بطنها وبطرس خاتم بطنها. بسطت يديها علي رأسيهما وهي تقول: "إليك يا رب أقدم فاتحة بطني وخاتمتها... فإن كل الأبكار وأعشار جميع الثمار لك بحسب الناموس..." بعد وفاة أمها إيميليا تنازلت ماكرينا عن المنزل للفقراء وأصبحت تعيش على ما تكسبه من عمل يديها. توفي أخوها باسيليوس سنة 379 م.، ثم مرضت مدة تسعة شهور. كان القديس غريغوريوس منشغلًا بالأحداث الناجمة عن الآريوسيين وقام بزيارتها بعد ثماني سنوات. وتعزى إذ رأى الشجاعة والفرح الذي هيأت نفسها به استعدادًا للموت، وتنيّحت في اللحظة التي أضاءوا فيها مصابيح المنزل.
نياحتها:
وكان تقشفها شديدًا حتى أنها كانت تنام على سرير عبارة عن لوحيّ خشب، وبعد وفاتها لم يجدوا غير طرحتها الرديئة ورداءها ليغطوا بهما جسمها لدفنها. تقدم أراكسيوس Araxius أسقف المكان وغريغوريوس وحملا الجسد، وكانا طوال الطريق يرددان المزامير والألحان، وشاركهما الكثير من الشعب ولاسيما من النساء في توديعها.
اللحظات الأخيرة:
سمح الله للقديس غريغوريوس أن يحضر اللحظات الأخيرة ليسجل لنا اشتياقها الحق للعبور إلي السماء. فقد سار أخوها طريقًا طويلًا ليراها بعد ثماني سنوات. في الليلة السابقة من وصوله إلى الدير رأي في حلم أنه ممسك برفات شهداء يشرق منها بهاء شديد بهر عينيه. تكرر الحلم ثلاث مرات في نفس الليلة ولم يعرف له تفسيرًا.
وإذ بلغ الدير جاء النساك من دير الرجال يستقبلونه، وقفت الراهبات في الكنيسة ينتظرن إياه. وقد لاحظ أن أخته، رئيسة الدير، ليست بينهن، فأدرك أنها مريضة.
انطلق إلي قلايتها فوجدها ممدة علي الأرض فوق لوح خشبي، عاجزة عن القيام لاستقباله. هذا الجسم الذي صار هزيلًا بسبب المرض لم يحطم نفسها الملتهبة بحب السماويات، إذ يقول القديس غريغوريوس:
"أخذت تتحدث كلامًا عذبًا عن النفس، وقد أفرحتني بأسئلتها. عندما تحدثنا عن ذكر باسيلويس الكبير حزن قلبي فورًا وتجهم وجهي. أما الطوباوية ماكرينا فكانت بعيدة كل البعد عن أن تحزن مثلي...
تحدثت كثيرًا عن الحياة الآتية، وكأنها مستنيرة بالروح القدس حتى شعرت بأن ذهني قد ارتفع بأقوالها، وأني خرجت من الطبيعة البشرية... إلي السموات، بقيادة أقوالها? إن كان المرض قد أنهك قواها وقرّبها من الموت... كان ذهنها مأخوذًا في معاينة العلويات دون أن يعيقه المرض بالكلية".
دفنها:
انتقلت من هذا العالم ووجها نحو الشرق وقد رشمت نفسها بالصليب، وكانت تصلي بقلبها وتحرك شفتيها، إذ عجزت عن الكلام. سأل القديس غريغوريوس عما يكفنونها به، فأجابت لامباذيا وهي الأولي في مصاف الراهبات وشماسة:
"لباس البارة هو حياتها الفاضلة والطاهرة. هذه كانت زينتها وهي حيّة. فتكن الآن لباسها في موتها..
ما هو الشيء الذي يمكن أن يكون محفوظًا لدينا؟ فها هو أمامك كل ما تملك. هذا هو لباسها. هذا هو غطاؤها. وها هي أحذيتها. هذا هو غناها. هذه هي ثروتها. لا تملك شيئًا آخر عما تراه، لا في صندوق ولا في قلاية. فإنها قد عرفت مخزنًا واحدًا لغناها، ألا وهو السماء".
كأخ وأسقف طلب أن يقدم لها شيئًا لدفنها، وإذ كانت جميلة جدًا صار وجهها يشرق ببهاء عجيب متذكرًا الحلم الذي رآه. قالت له إحدى الأرامل: "من الأفضل ألا تظهر القديسة علي أعين الراهبات محلاة هكذا كعروس. إني أملك لباسًا أسود اللون كان لوالدتكم فمن الأفضل أن نضعه فوق جسدها المقدس كي لا يظهر جمالها الطاهر المشع من جسدها والذي اشتد لمعانه بهذا اللباس الغريب عنها".
استمر بهاء وجهها مشرقًا حتى بعد تغطية جسدها باللباس الأسود.
العيد يوم 19 يونيو.
القديس إغريغوريوس النزينزي *
(القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات أو الثيولوغوس، النزانزي، النيزنزي، النازيانزي، النزنيزي، اللاهوتي الكبادوكي)
(329 - 25 يناير 390 م.)
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
نشأته في نزينزا سيامته أسقفًا في القسطنطينية كتاباته من كلماته |
← اللغة الإنجليزية: St. Gregory Nazianzen أو Gregory of Nazianzus - اللغة القبطية: pi`agioc ` Grhgorioc piqe`ologoc.
شارك القديس يوحنا الحبيب في لقبه "اللاهوتي" أو "الثيؤلوغوس" أي "الناطق بالإلهيات"، بسبب براعته في الحديث عن الثالوث القدوس بإلهام إلهي، ولالتحام حياته التقوية بعمل الثالوث القدوس ويعتبر أحد الثلاثة آباء الكبادوك العظام: باسيليوس الكبير، وغريغوريوس أسقف نيصص، وغريغوريوس الثيؤلوغوس، عاشوا في عصر واحد في الكبادوك بآسيا الصغرى، لهم دورهم الفعّال بعد القديس أثناسيوس الرسولي في مقاومة الأريوسية. وتذكره الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مجمع القداس الإلهي.
نشأته:
ولد حوالي عام 329 م. بقرية أريانزوس Arianzus جنوب غربي الكبادوك، والدته القديسة نونا Nonna التي كسبت زوجها الثري والقاضي إلى الإيمان المسيحي عام 325 م.، بل وصار أسقفًا على نزينزا لمدة 45 عامًا.
عاش تحت رعاية أمه التي بعثت فيه حب الكتب المقدسة والحياة الفاضلة في الرب مع الصلاة بتقوى وورع. روى لنا عن نفسه أنه إذ كان فتى رأى في حلم فتاتين جميلتين محتشمتين ترتديان ثيابًا بيضاء، قالت له إحداهما: أنا العفة، والأخرى: أنا الحكمة. وكانتا واقفتين أمام عرش السيد المسيح. وإذ استيقظ من نومه شعر بحنين شديد نحو العفة يتزايد على الدوام طوال عمره، هذا وقد اتسم بالحكمة الإلهية في دراسته للقضايا اللاهوتية وسلوكه.
التحق مع أخيه الأكبر قيصر بأعلى المعاهد في قيصرية كبادوكية حيث تعرفا على القديس باسيليوس. إذ كان غريغوريوس يميل لدراسة القانون ذهب إلى قيصرية فلسطين ليلتحق بمدرستها الشهيرة في الخطابة. ثم سافر مع أخيه إلى الإسكندرية حيث كان القديس ديديموس الضرير مديرًا للمدرسة اللاهوتية. قضى غريغوريوس فترة قصيرة بمصر ثم أبحر إلى أثينا للاستزادة في العلم (الفلسفة). وهناك التقى بصديقه باسيليوس ليعيشا معًا في حياة روحية مشتركة حتى قيل عنهما أنهما عقل واحد في جسدين.
هناك أيضًا التقى بيوليانوس الذي كان يتظاهر بالمسيحية، وكان يود صداقة غريغوريوس، لكن سرعان ما اكتشف القديس خطورته الخفية، حتى قال عنه: "ما أشرس هذا الوحش الذي تربيه المملكة (الرومانية) في حضنها"، فصار يتجنب معاشرته. . وعندما جلس يوليانوس على العرش حاول اجتذاب غريغوريوس ولم يفلح، وإنما نجح في اكتساب أخيه القديس قيصريوس النيزينزي الذي عينه كطبيب إمبراطوري، فكتب إليه غريغوريوس ليترك هذا الذئب الخاطف، وبالفعل تركه.
مكث في أثينا عشر سنوات، وإذ رحل عنها صديقه الحميم باسيليوس، تركها هو أيضًا ليعود حوالي عام 357 م.
في نزينزا:
أراد أن يعيش في بلده حياة الوحدة يكرس كل وقته وطاقاته لدراسة الكتاب المقدس مع العبادة، إلا أن صديقه باسيليوس دعاه ليعيش معه في الدير الذي أسسه في بنطس، فذهب إليه حيث قضى ثلاثة أعوام في حياة نسكية رائعة مع تجميع لكتابات العلامة أوريجينوس في تفسيره للكتاب المقدس.
دعاه والده في ذلك الحين لمساعدته إذ كان قد بلغ أكثر من ثمانين عامًا، وكان قد رسم أسقفًا في نزينزا، وهناك أصر الشعب على سيامته كاهنًا بالرغم من تحاشيه لنوال أية درجة كهنوتية ورغبته في الهروب، وتم ذلك على يدي والده عام 361 م.
كان والده مع شيخوخته بسيطًا فسقط في التوقيع على مرسوم مجمع ريميني الذي يحمل اتجاهًا شبه أريوسي مما أثار الشعب ضده، فقام غريغوريوس يُظهر ما في المرسوم من خبث خفي وكشف لأبيه خداع هؤلاء النصف أريوسيين فاعتذر الأب عن توقيعه المرسوم، وعاد الشعب إلى الأسقف من جديد.
سيامته أسقفًا:
إذ سيم القديس باسيليوس رئيس أساقفة قيصرية أراد أن يحيط نفسه بجماعة من الأساقفة المستقيمي الرأي، لتحطيم البدع المنتشرة في ذلك الحين فألح على صديقه غريغوريوس أن يقبل سيامته أسقفًا على سازيما، فرفض لكنه ألح عليه هو ووالد غريغوريوس فاضطر أن يقبل نعمة الأسقفية عام 372 م.، لكنه لم يدخل الإيبارشية إذ كانت موضع نزاع بين القديس باسيليوس والأسقف أنتيموس.
عاد القديس غريغوريوس إلى خلوته لكن والده الأسقف طلب معونته، فجاء إليه مشترطًا ألا يرتبط بالإيبارشية. وبالفعل إذ تنيح والده عام 374 م. ووالدته في نفس السنة وزع ممتلكاته التي ورثها وانفرد في دير يمارس الحياة النسكية مع التأمل والدراسة خمس سنوات.
في القسطنطينية:
إذ سمع أن مدينة القسطنطينية امتلأت بالهراطقة حتى استولوا على جميع الكنائس اضطر أن يقبل دعوة المؤمنين هناك تحت إحساسه بالالتزام بالمسئولية. وفي فترة قصيرة استطاع أن يرد كثير من الشعب من الهرطقات إلى الإيمان المستقيم.
وفي سنة 381 م. إذ انعقد المجمع المسكوني الثاني بالقسطنطينية كان الاتجاه سائدًا أن يُثبت القديس إغريغوريوس على القسطنطينية، وإذ اعترض الفريق المصري على هذا من جهة أنه سبق فسيم أسقفًا على إيبارشية أخرى أعلن أنه كمحب للوحدة والسلام يرفض قبول تثبيته، خاصة وأنه لا يشتهي المراكز، وقد ترك المدينة بعد أن ودّع الأساقفة والشعب بخطاب مؤثر للغاية، ثم ذهب إلي نزينزا يقاوم بدعة أتباع أبوليناريوس. وفي سنة 381 م. اعتكف بجوار المدينة ليستعد لرحيله من هذا العالم عام 390 م.
تعيِّد له الكنيسة اليونانية في 10 مايو، أما كنيستنا ففي 24 توت.
كتاباته:
ترك لنا القداس الإلهي (القداس الإغريغوري) وكنزًا من الكتابات اللاهوتية العميقة مع عظات ورسائل وقصائد.
1. العظات: أجمل ما تركه لنا هو 45 عظة قدمها في أهم فترة في حياته من 379 ? 381 م.، حينما كان أسقفًا على القسطنطينية، جاذبًا أنظار العالم إليه.
2. القصائد الشعرية: كتبها في أواخر حياته، في خلوته باريانزيم Arianzum لم يبق سوى 400 قصيدة، في أحدها سجل لنا علة اتجاهه للشعر في أواخر حياته، ألا وهو إظهار أن الثقافة المسيحية الجديدة ليست أقل من الثقافة الوثنية بأية حال، ولأن بعض الهرطقات كالأبولينارية تستخدم القصائد في نشر أفكارها، لهذا استخدم ذات السلاح للرد عليها. جاءت بعض قصائده لاهوتية، والبعض سلوكية.
3. رسائله: أول مؤلف باليونانية ينشر رسائله، وذلك بناء على طلب نيكوبولس Nicobulus حفيد أخته جورجونيا.
بغير قصد وضع نظرية "كتابة الرسائل"، إذ طلب أن تكون الرسالة قصيرة، وواضحة، ولطيفة (رقيقة)، وبسيطة (رسالة 51، 54). مدحه القديس باسيليوس، إذ كتب إليه يقول: "وصلتني رسالتك أول أمس، هي بالحقيقة منك، ليس من جهة الخط وإنما من جهة نوع الرسالة، فإن كانت عباراتها قليلة لكنها تقدم الكثير".
من كلماته:
من لا يؤمن بأن القديسة مريم والدة الإله "ثيؤتوكس" qeotokoc، يعنفه اللاهوت (رسالة 101).
لسان الكاهن يتوسط لدى الرب فيقيم المرضى؛ لتصنع ما هو أعظم بتقديس الليتورجيا فتمحى خطاياي الكثيرة عندما تقيم ذبيحة القيامة.
القديسة جورجونيا *
(؟ - 23 فبراير 375)
عناوين: (إظهار/إخفاء) |
أسرة جورجونيا مديح القديس غريغوريوس النزينزي للقديسة انقلاب عربتها شفاؤها من مرضٍ عضال استعدادها للرحيل |
أسرة جورجونيا:
شخصية جورجونيا St. Gorgonia رائعة، وأسرتها تمثل نموذجًا حيًا للأسرة المسيحية التي تحيا بالإيمان الحيّ العامل بالحب. فوالدها غريغوريوس الذي جذبته زوجته نونا Nonna، لا ليؤمن بالسيد المسيح فحسب، بل ويصير أسقفًا فيما بعد.
امتدح القديس غريغوريوس النزينزي والده غريغوريوس ووالدته نونا قائلًا إنهما دُعيا إبراهيم زمانه وسارة زمانها، إذ تبررا مثل إبراهيم بالإيمان. بل يتجاسر فيقول أن والدته نالت كرامة أكثر من سارة.
فمن كلمات القديس غريغوريوس في مديحه لوالديه:
[هوذا الراعي الصالح هو ثمرة صلوات زوجته وإرشادها، وقد تعلم منها حياته الرعوية المثالية.
بقوة هرب من عبادة الأوثان، وبعد ذلك صارت الشياطين تهرب منه.. لقد صارا متساويين في التعقل والبهاء، غيورين يسندان بعضهما البعض، يطيران فوق الجميع...
كان لهما جسدان، ولكن كأنه قد تحول الجسدان إلي روحٍ، حتى قبل انحلالهما.]
أكمل القديس غريغوريوس مديحه لوالديه اللذين جحدا العالم تمامًا لكنهما كانا يملكان كل شيء ولا يعوزهما شيء. لقد رفضا الغني فصارا غنيين في الكرامة..
أخيرًا قال: [أقول فقط كلمة واحدة عنهما، أنهما بحقٍ وعدلٍ قد عُين كل واحدٍ منهما لجنسه، عُين هو زينة للرجال، وهي زينة للنساء، ليس فقط زينة، بل ومثالًا للحياة الفاضلة.]
هي الأخت الكبرى للقديس غريغوريوس النزينزي St. Gregory Nazianzen والقديس قيصاريوس St. Caesarius . وقد تزوجت وأنجبت ثلاثة أبناء، أنشأتهم نشأة مسيحية كما تربت هي نفسها.
أحبت هذه القديسة الكنيسة خاصة تسابيحها وخدمتها والاهتمام باحتياجاتها، وعاشت في مخافة الله، سخية مع الفقراء.
تعمدت في سن متقدمة هي وزوجها وأبناؤها وأحفادها. وعند نياحتها نحو سنة 372 م. رثاها شقيقها غريغوريوس معددًا فضائلها وثمارها الصالحة، وتعتبر هذه العظة مصدر معلوماتنا عن حياتها.
مديح القديس غريغوريوس النزينزي للقديسة:
تطلع أخوها الأصغر منها القديس غريغوريوس النزينزي إليها كنموذجٍ حيٍّ للإنسان المسيحي، وقد تأثر بها جدًا، إذ كان مغرمًا بتقواها وورعها. وأخوها الآخر قيصريوس، غالبًا أكبر منها، كان طبيبًا تقيًا ونابغًا نال مركزًا مرموقًا في القصر بالقسطنطينية.
سندت القديسة زوجها أليبوسAlypius بل وقادته في طريق الفضيلة والتقوى. أما ابناها فقد سيما أسقفين.
حين وقف أخوها الأسقف غريغوريوس يرثيها في حضور أبيها الروحي فوستينوس أسقف أيقونية، وزوجها شعر بصعوبة بالغة إذ أدرك أن الكلمات تعجز عن أن تعلن عما بلغته.
في مديحه لها قال إنه لم يستخدم الكلمات البراقة لأنها كانت في حياتها لا تتحلى بالزينة الخارجية، وكان تخليها عن الحلي هو جمالها.
[موطن جورجونيا كان أورشليم العليا (عب22:12،23)? التي يقطنها المسيح، ويشاركه المجمع وكنيسة الأبكار المكتوبين في السماء?]
[بالنسبة للحديث عن سمو فضائلها بين أناسٍ يعرفونها، فليساهم كل واحدٍ منهم فيه ويعينني، لأنه يستحيل علي شخصٍ واحدٍ أن يسد كل النقاط، مهما كانت قدراته علي الملاحظة والتعقل.]
[إن كانت قد ارتبطت باتحادٍ جسديٍ، لكنها لم تنفصل عن الروح، ولا لأن رجلها كان رأسها تجاهلت رأسها الأول (السيد المسيح)..
لقد ربحت زوجها إلي جانبها، وجعلت منه عبدًا شريكًا معها بدلًا من سيدٍ عنيفٍ.]
[جعلت من ثمار جسدها، أي من أبنائها وأحفادها، ثمارًا لروحها، مكرسة للَّه ليس فقط نفسها الوحيدة بل كل الأسرة وأهل بيتها.]
[بخصوص تعقلها وتقواها ليس من إمكانية لتقدير ذلك.
إنها لم تجد أمثلة كثيرة حولها سوى والديها حسب الطبيعة وأبوها الروحي (الأسقف)، الذين كانوا النماذج الوحيدة أمامها، والتي لم تفشل في التمتع بأية فضيلة فيهم?]
[أي تعقل كان فيها مثل صمتها؟!
إذ أشير إلي الصمت، أعود إلي أهم ما في شخصيتها اللائقة بالنساء، الأمر الذي يُحسب أهم شيء يخدم هذه الأزمنة.
من لديه معرفة كاملة في الإلهيات سواء في الوصايا الإلهية أو في الفهم مثلها؟! مع ذلك من كانت مستعدة أن يكون قليل الكلام تعرف ما هو حدودها كسيدة؟!"]
[إني لا أتردد في أن أكرمها بكلمات أيوب: بيتها كان مفتوحًا لكل القادمين؛ لن يلجأ غريب إلي الشارع. كانت أعينًا للعميان، وأقدامًا للعرج، وأمًا للأيتام (أي15:29؛ 32:31)..
بيتها كان مسكنًا عامًا لكل المحتاجين من أسرتها. وممتلكاتها ليست بأقل من أن تكون مشاعًا للمحتاجين الذين كانوا يشعرون بملكيتهم لها أكثر مما هو ملك لهم.]
[كل ما استطاعت أن تنتزعه من رئيس هذا العالم أودعته في أماكن أمينة. لم تترك شيئًا وراءها سوي جسدها. لقد فارقت كل شيء من أجل الرجاء العلوي. الثروة الوحيدة التي تركتها لأبنائها هي الاقتداء بمثالها، وأن يتمتعوا بما استحقته.]
[وسط هذا الحديث عن شهامتها العجيبة نقول أنها لم تستسلم للترف الجسدي وللتلذذ بالطعام بلا ضابط، هذه الرغبة الحيوانية الثائرة التي تمزق الأعماق. مع أن الذين يستسلمون لإرضاء هذه الشهوة ويعملون بوقاحة علي فعل الخير وإطعام الفقير مقابل ذلك الترف الشخصي هم كثيرون! نتيجة لذلك فهم يجنون شرًا في هذا العمل النبيل بدلًا من مداواة الشر بالخير.
وإذ أخضعت جسدها الترابي بالصوم لم تترك للآخرين تدريبًا أخر مثل استخدامها فراش غير مريح.
وأيضًا إذ عرفت الفائدة الروحية وراء ذلك لم تتوانَ عن اتباع نظامٍ صارمٍ بالنسبة لتقليل ساعات النوم. ورغم تنظيم حياتها علي هذا الأساس وكأنها صارت متمتعة بقهر الجسد، لم تلقِ بجسدها لتتمدد علي الأرض بينما يقضي آخرون الليل منتصبين في حالة من الإماتة التي يتبعها معظم الجبابرة في الجهاد.]
يقول عنها أخوها أنها فاقت ليس فقط النساء بل حتى الرجال الذين نذروا أنفسهم للعمل الروحي. فترنمت بالمزامير بفطنة، وحفظت ما كُتب بالوحي الإلهي وعرفت أسراره الكامنة. كم سجدت بدموعٍ واتضاعٍ لغسل خطيتها بقلبٍ منسحقٍ. والأمر الساحق ولكنه حقيقة واقعة أنها وإن حاكت آخرين بغيرة وسعت لتدرك فضائلهم صارت مثالًا في هذه الفضائل، بل وكانت هي المكتشفة للفضيلة تارة والمتفوقة علي غيرها تارة أخري. إن نافسها آخرون في فضيلة ما تتميز هي بالتحلي بالكثير من الفضائل. هكذا نجحت، ولم يبلغ أحد فضائلها، ولو بصورة أقل في التفوق. نقول أنها إلي هذا المدى قد أدركت الكمال في كل فضيلة حتى أن فضيلة واحدة منها كانت تفي مكان الكل.
[يا لطبيعة النساء التي رأيناها تفوق الرجال خلال سيرة هذه القديسة في الصراع الواحد من أجل الخلاص. فأوضحت لنا أن التمييز بين الرجل والمرأة إنما جسديًا فقط وليس بالنسبة للروح!]
أود أن أذكر بعض الحقائق المشهورة بوجه عام عن هذه القديسة، وإن كانت مبادئها المسيحية قد دعتها لإخفاء ما تمتعت به..
انقلاب عربتها:
يُذكر عنها أخوها أنها قاربت الموت، لكنها شفيت بطريقة معجزية بشدة ثقتها في الله القادر على كل شيء. يروي أخوها أن بغال عربتها المجنونة أسرعت فأدت للأسف إلى انقلاب العربة بها، وأصيبت بجراحٍ خطيرةٍ. . لقد تهشمت وألمّت بها كدمات شديدة، سببت لها نزيفًا داخليًا، ورفضت أن تستدعي الطبيب بسبب حيائها. حقًا إن الألم كان يفوق البشر، فصار جرسًا لمن يأتي بعدها، فيرون أعلى درجات الإيمان وسط الألم، والصبر وسط التجربة. إنما رأفة الله لأمثال هذه القديسة فائقة للغاية. انتهى الأمر بأن صُعق الرجال لفقدان الأمل في شفائها.
تحقق الوعد البديع: "إذا سقط لا ينطرح، لأن الرب مسند يده" (مز24:37). ويضاف إليه: "مع أنه قد تهشم أو كسر تمامًا لكنه سريعًا ما يقوم ويتمجد" (مز8:146 الترجمة السبعينية). لأنه إن كانت نكبتها غير منطقية فشفاؤها كان فائقًا.
شفاؤها من مرضٍ عضال:
يقول أخوها القديس غريغوريوس النزينزي:
[تعرضت لمرض عضال، مرض خبيث أصاب كيانها كله بحمى شديدة، فكانت تشعر بدمها يغلي في عروقها، وأصيبت بشللٍ ذهنيٍ، وأيضًا بألمٍ في أطرافها. ومجمل القول أن الأطباء قد عجزوا عن شفائها، وأيضًا دموع ذويها وتضرعات المحيطين بها لم تجدِ. وقد كانت سلامتها تعني سلامة أحبائها المحيطين بها، والعكس أيضًا فمعاناتها ومرضها كان يُعد نكبةً عامة.
المسيح (مت20:9)? اقتربت من الهيكل بإيمان ونادت إلهها المهوب بصرخة قوية متذكرة أعماله العظيمة معها سابقًا. وذرفت دموع غزيرة كالمرأة التي أغرقت رجليه بالدموع ذات يومٍ (لو38:7). تناولت من جسد الرب ودمه الكريم.. ويا للعجب فقد شعرت في الحال أنها قد تعافت، وأُنقذت من المرض، فصار جسدها ونفسها وروحها في حالة سليمة تمامًا? لتمسكها بالرجاء اكتسبت قوة جسدية بسبب قوتها الروحية.
حقًا أن هذه الأمور عجيبة لكنها حقيقية. أرجو أن تصدقوها، وقد كشفتها لكم بعد صمتها عن الإفصاح عنها أثناء حياتها. وجاء تسجيلي لهذه القصة حتى لا تظل مثل هذه الأعجوبة أو المعجزة العظيمة في طي الكتمان.]
استعدادها للرحيل:
يقول القديس غريغوريوس النزينزي:
[هنا أتكلم عن موتها وما تميزت به وقتئذٍ لأوفيها حقّها? اشتاقت كثيرًا لوقت انحلالها، لأنها علمت بمن دعاها وفضّلت أن تكون مع المسيح أكثر من أي شيء آخر على الأرض (في23:1).
تاقت هذه القديسة إلى التحرر من قيود الجسد والهروب من وحل هذا العالم الذي نعيش فيه.
والأمر الفائق بالأكثر أنها تذوقت جمال حبيبها المسيح إذ كانت دائمة التأمل فيه. كانت تعلم مسبقًا ساعة رحيلها عن هذا العالم، الأمر الذي ضاعف من فرحتها. ويبدو أن الله أعلمها به حتى تستعد ولا تضطرب حينئذٍ. قضت كل حياتها تغتسل من الخطية وتسعى لإدراك الكمال. ونالت موهبة التجديد المستمر بالروح القدس، وصارت ثابتة فيه بحسب استحقاق حياتها الأولى..
لم تغفل عن التضرع من أجل زوجها أيضًا حتى يُدرك الكمال، وقد استجاب الله لطلبتها إذ أرادت أن يكون كل ما يمت لها بصلة في حالة الكمال الذي يريده الله منا، فلا يكون شيء ناقصًا أمام المسيح من جهتها.
وإذ جاءت النهاية أدلت بوصيتها لزوجها وأولادها وأصدقائها كما هو المتوقع من مثل هذه القديسة المحبة للجميع.
كان يومها الأخير على الأرض يوم احتفال مهيبًا، ولا نقول أنها ماتت شبعانة من أيام بني البشر، فلم تكن هذه رغبتها، إذ عرفت أنها أيام شريرة تلك التي بحسب الجسد وما هي سوى تراب وسراب. وبالأحرى كانت شبعانة من أيام الله.. وهكذا تحررت، بل الأفضل أن نقول أنها أُخذت إلى إلهها أو هربت أو غيرت مسكنها أو أسلمت وديعتها عاجلًا.
في وقت نياحتها خيّم صمت مهيب، وكأن مماتها كان بمثابة مراسيم دينية.
رقد جسدها وكأنه في حالة شلل بعد أن فارقته الروح، فصار بلا حراك.
لكن أباها الروحي الذي كان يلاحظها جيدًا أثناء هذا المنظر الرائع شعر بها تتمتم واسترق السمع، وإذ به يسمعها تتلو كلمات المرتل: "بسلامة اضطجع أيضًا وأنام" (مز8:4). مبارك هو من يرقد وفي فمه هذه الكلمات!
هكذا ترنمتِ أيتها الجميلة بين النساء، وصارت الترنيمة حقيقة. ودخلتِ إلى السلام العذب بعد الألم، ورقدتِ كما يحق للإنسانة المحبوبة لدى الله التي عاشت وتنيحت وسط كلمات الصلاح.
كم ثمين هو نصيبكِ! إنه يفوق ما تراه العين في وسط حشدٍ من الملائكة والقوات السمائية، إنه مملوء بهاءً ونقاوة وكمالًا!
يفوق كل هذا رؤيتها للثالوث القدوس، فلم يعد ذلك بعيدًا عن الإدراك والحس اللذان كانا قبلًا محدودان تحت أسر الجسد.
أرجو أن تقبل روحك هذا المديح مني كما فعلت مع أخي قيصريوس. فقد حرصت على النطق بالمديح لإخوتي.].
العيد يوم 9 ديسمبر.
القديسة نونّا | نونة *
والدة القديس اغريغوريوس النزينزي
(305-374 م.)
St. Nonna
وُلدت في نهاية القرن الثالث الميلادي، ومع أنها كانت مسيحية إلا أنها تزوجت غريغوريوس حاكم نيزيانزا في كبادوكيا غير المسيحي.
آمن غريغوريوس بالمسيحية لِما قدمته زوجته من نموذج مشرق للمسيحية، ثم صار كاهنًا ثم أسقفًا وهو الملقب "القديس غريغوريوس النزينزي الكبير" St. Gregory Nazianzen the Elder.
كان لها ثلاثة أبناء: الأكبر القديس غريغوريوس النزينزي الذي صار واحدًا من أكبر آباء الكنيسة الجامعة، والثانية القديسة جورجونيا Gorgonia التي تزوجت وأنجبت ثلاثة أبناء، والثالث القديس سيزاريوس أو قيصاريوس Caesarius والذي كان يشتغل بالطب.
عاشت نونّا بعد وفاة اثنين من أبنائها: جورجونيا التي تنيحت بين ذراعيها وقيصاريوس، ثم توفي زوجها وبعد شهور قليلة تنيّحت بشيخوخة صالحة سنة 374 م.، فكانت نموذجًا للمرأة الفاضلة التي امتدحها زوجها ودعاها أبناؤها "الأم المباركة