عُمق قراءات الأحد الأول من شهر كيهك
بشارة الملاك لزكريا الكاهن
مزمور العشية
يُشير مزمور عشية الأحد الأول من كيهك إلى شيخوخة زكريا وأليصابات زوجته العاقر.. التي مضى زمان حَملِها بكثير، وأصبحت عارًا بين جيرانها.
فزكريا المُداوم على الصلاة للرب لكي يرزقه نسلًا.. لم يكِّل من هذه الطِلبة، حتى شاخ وتقدم في الأيام.. لأن من عادة بني إسرائيل أن يعيِّروا كل مَنْ لم يرزق بنسلًا، مُعتبرين إياه معدوم البركة (أي بركة الله).. "وبارَكَهُمُ اللهُ وقالَ لهُمْ: أثمِروا واكثُروا واملأُوا الأرضَ" (تك1: 28).
وكان لسان حاله يصرخ دائمًا: "إلَى مَتَى يا رَبُّ تنساني كُلَّ النسيانِ؟ إلَى مَتَى تحجُبُ وجهَكَ عَني؟ إلَى مَتَى أجعَلُ هُمومًا في نَفسي وحُزنًا في قَلبي كُلَّ يومٍ؟ إلَى مَتَى يَرتَفِعُ عَدوي علَيَّ؟ انظُرْ واستَجِبْ لي يا رَبُّ إلهي" (مز13: 1-3).
إنجيل العشية (مر14: 3-9)
"وفيما هو في بَيتِ عنيا في بَيتِ سِمعانَ الأبرَصِ، وهو مُتَّكِئٌ، جاءَتِ امرأةٌ معها قارورَةُ طيبِ نارِدينٍ خالِصٍ كثيرِ الثَّمَنِ. فكسَرَتِ القارورَةَ وسكَبَتهُ علَى رأسِهِ. وكانَ قَوْمٌ مُغتاظينَ في أنفُسِهِمْ، فقالوا: "لماذا كانَ تلَفُ الطيبِ هذا؟ لأنَّهُ كانَ يُمكِنُ أنْ يُباعَ هذا بأكثَرَ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ دينارٍ ويُعطَى للفُقَراءِ". وكانوا يؤَنّبونَها. أمّا يَسوعُ فقالَ: "اترُكوها! لماذا تُزعِجونَها؟ قد عَمِلَتْ بي عَمَلًا حَسَنًا! لأنَّ الفُقَراءَ معكُمْ في كُل حينٍ، ومَتَى أرَدتُمْ تقدِرونَ أنْ تعمَلوا بهِمْ خَيرًا. وأمّا أنا فلستُ معكُمْ في كُل حينٍ. عَمِلَتْ ما عِندَها. قد سبَقَتْ ودَهَنَتْ بالطيبِ جَسَدي للتَّكفينِ. الحَقَّ أقولُ لكُمْ: حَيثُما يُكرَزْ بهذا الإنجيلِ في كُل العالَمِ، يُخبَرْ أيضًا بما فعَلَتهُ هذِهِ، تذكارًا لها".
يتحدث إنجيل العشية عن المرأة التي دهنت رأس السيد المسيح بالطيب الخالص الكثير الثمن.. فبينما كان السيد المسيح في طريقه ذاهبًا إلى أورشليم.. دخل أريحا، فزار زكا العشار، وأنعم عليه بالخلاص.. وبعدها ألقى على الشعب مَثَل العشر أمناء، وذهب بعدها إلى أورشليم حيث دخل بيت عنيا (بيت الحزن)، ودخل بيت سمعان الأبرص.. فجاءت المرأة ومعها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن، فكسرت القارورة، وسكبت الطيب على رأس الخالق.
والناردين الذي سكبته المرأة على رأس المُخلِّص.. معناه: "السنبل"، وهو النبات الذي كانوا يستخرجون منه الطيب الغالي الثمن ذو الرائحة الذكية، وكانوا يستحضروه من بلاد الهند بعد استخراجه واستخلاصه.
فعندما كسرت المرأة قارورة الطيب، امتلأ البيت من أريج الطيب لكثرته وانتشار رائحته الذكية.. كانت النتيجة أن اغتاظ التلاميذ، وانتهروها وقالوا: "لماذا كانَ تلَفُ الطيبِ هذا؟" (مر14: 4).. وكان على رأسهم يهوذا الإسخريوطي (سارق الصندوق)، فهو كان يريد المال وليس المحبة، وهذا هو نفس قصد الأشرار السيئ في أنهم يخفوا مقاصدهم السيئة تحت ستار التقوى والخوف على الفقراء!!
وأخذ التلاميذ يعنفون المرأة على فِعلها هذا وأنه إتلافًا... وكيف يكون ذلك!! هل ما تقدمه للسيد المسيح يعتبر إتلافًا؟ هل مَنْ يكرسون حياتهم كلها للسيد المسيح يكونوا قد أضاعوا عمرهم هباء وأتلفوا حياتهم؟
هنا يرد علينا مُعلِّمنا بولس الرسول: "بل إني أحسِبُ كُلَّ شَيءٍ أيضًا خَسارَةً مِنْ أجلِ فضلِ مَعرِفَةِ المَسيحِ يَسوعَ رَبي، الذي مِنْ أجلِهِ خَسِرتُ كُلَّ الأشياءِ، وأنا أحسِبُها نُفايَةً لكَيْ أربَحَ المَسيحَ" (في3: 8).. لكن السيد المسيح لم يتركها، بل طلب منهم أن يكفوا عن إزعاجها، بل وأشاد بما فعلته قائلًا لهم: "قد عَمِلَتْ بي عَمَلًا حَسَنًا!" (مر14: 6).
فكان الواجب عليهم أن يشكروها بدلًا من أن يعنفوها، وقد برّر السيد المسيح رضاه على سكب الطيب وشكره لمريم على إيمانها هذا بأن قال لهم: "لأنَّ الفُقَراءَ معكُمْ في كُل حينٍ، ومَتَى أرَدتُمْ تقدِرونَ أنْ تعمَلوا بهِمْ خَيرًا. وأمّا أنا فلستُ معكُمْ في كُل حينٍ" (مر14: 7).
وأوضح مُخلِّصنا الصالح للتلاميذ شرف عملها هذا بأن قال لهم: إنها فعلت ذلك لأجل تكفيني.. "عَمِلَتْ ما عِندَها. قد سبَقَتْ ودَهَنَتْ بالطيبِ جَسَدي للتَّكفين" (مر14: 8).
ولم يكتفي السيد المسيح بذلك، بل قال لهم مُخلدًا ذكراها إلى الأبد:"الحَقَّ أقولُ لكُمْ: حَيثُما يُكرَزْ بهذا الإنجيلِ في كُل العالَمِ، يُخبَرْ أيضًا بما فعَلَتهُ هذِهِ، تذكارًا لها" (مر14: 9).
إنجيل باكر (مر12: 41-44)
"وجَلَسَ يَسوعُ تُجاهَ الخِزانَةِ، ونَظَرَ كيفَ يُلقي الجَمعُ نُحاسًا في الخِزانَةِ. وكانَ أغنياءُ كثيرونَ يُلقونَ كثيرًا. فجاءَتْ أرمَلَةٌ فقيرَةٌ وألقَتْ فلسَينِ، قيمَتُهُما رُبعٌ. فدَعا تلاميذَهُ وقالَ لهُمُ: "الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّ هذِهِ الأرمَلَةَ الفَقيرَةَ قد ألقَتْ أكثَرَ مِنْ جميعِ الذينَ ألقَوْا في الخِزانَةِ، لأنَّ الجميعَ مِنْ فضلَتِهِمْ ألقَوْا، وأمّا هذِهِ فمِنْ إعوازِها ألقَتْ كُلَّ ما عِندَها، كُلَّ مَعيشَتِها".
* يتحدث إنجيل باكر عن الأرملة التي ألقت فلسين في الخزانة، فبعدما أجاب السيد المسيح عن أسئلة رؤساء اليهود المختصة بالزواج بعد القيامة، وما هي الوصية العظمى في الناموس، ولمَنْ تُعطى الجزية... وغيرها من الأسئلة.. أخذ يحذر الناس من الكتبة والفريسيين ورياؤهم، ونطق عليهم بالويلات للمرة الثانية في (مت23: 13-26).
* وبعد ذلك جلس السيد المسيح تجاه الخزانة لكي يعلّمهم درسًا لم يعوه ولم يدركوه.. فكثير من الأغنياء جاءوا وألقوا نقودًا كثيرة، ولكنها لم تكن من احتياجهم.. بل من فضلتهم، ولذلك فهم ليس لهم فضل فيما يعطونه لله، فهم يعطون من الزائد وليس من الاحتياج.
* ولكن كان من بين الذين ألقوا في هذه الخزانة أرملة فقيرة جدًا.. جاءت لتقدم للرب من احتياجها، قدمت له فلسين قيمتها ربع (أي نصف مليم) (أي ما يعادل اليوم خمسة قروش).
* فامتدح السيد المسيح هذه المرأة التي أعطت من احتياجها وليس من الفائض، كما ستفعل فيما بعد أم يوحنا المعمدان (أليصابات) العاقر.. فحينما فتح الرب رحمها، وأعطاها نسل لم تبخل به على الله، فهو وحيدها، ولكنها أعطته لله.. فتركها وذهب للبرية ليُعد طريق الرب.
الرسائل
الرسائل هنا تشير كلها إلى موضوع واحد، وهو: "طلبة أليصابات العاقر"، التي لم تكّل أن تطلب إلى الله أن يرزقها نسلًا، لكي ينزع عارها من بين الجميع.
البولس (رو1: 1-17)
"بولُسُ، عَبدٌ ليَسوعَ المَسيحِ، المَدعوُّ رَسولًا، المُفرَزُ لإنجيلِ اللهِ، الذي سبَقَ فوَعَدَ بهِ بأنبيائهِ في الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، عن ابنِهِ. الذي صارَ مِنْ نَسلِ داوُدَ مِنْ جِهَةِ الجَسَدِ، وتعَيَّنَ ابنَ اللهِ بقوَّةٍ مِنْ جِهَةِ روحِ القَداسَةِ، بالقيامَةِ مِنَ الأمواتِ: يَسوعَ المَسيحِ رَبنا. الذي بهِ، لأجلِ اسمِهِ، قَبِلنا نِعمَةً ورِسالَةً، لإطاعَةِ الإيمانِ في جميعِ الأُمَمِ، الذينَ بَينَهُمْ أنتُمْ أيضًا مَدعوّو يَسوعَ المَسيحِ. إلَى جميعِ المَوْجودينَ في روميَةَ، أحِبّاءَ اللهِ، مَدعوّينَ قِدّيسينَ: نِعمَةٌ لكُمْ وسلامٌ مِنَ اللهِ أبينا والرَّب يَسوعَ المَسيحِ. أوَّلًا، أشكُرُ إلهي بيَسوعَ المَسيحِ مِنْ جِهَةِ جميعِكُمْ، أنَّ إيمانَكُمْ يُنادَى بهِ في كُل العالَمِ. فإنَّ اللهَ الذي أعبُدُهُ بروحي، في إنجيلِ ابنِهِ، شاهِدٌ لي كيفَ بلا انقِطاعٍ أذكُرُكُمْ، مُتَضَرعًا دائمًا في صَلَواتي عَسَى الآنَ أنْ يتيَسَّرَ لي مَرَّةً بمَشيئَةِ اللهِ أنْ آتيَ إلَيكُمْ. لأني مُشتاقٌ أنْ أراكُمْ، لكَيْ أمنَحَكُمْ هِبَةً روحيَّةً لثَباتِكُمْ، أيْ لنتعَزَّى بَينَكُمْ بالإيمانِ الذي فينا جميعًا، إيمانِكُمْ وإيماني. ثُمَّ لستُ أُريدُ أنْ تجهَلوا أيُّها الإخوَةُ أنَّني مِرارًا كثيرَةً قَصَدتُ أنْ آتيَ إلَيكُمْ، ومُنِعتُ حتَّى الآنَ، ليكونَ لي ثَمَرٌ فيكُم أيضًا كما في سائرِ الأُمَمِ. إني مَديونٌ لليونانيينَ والبَرابِرَةِ، للحُكَماءِ والجُهَلاءِ. فهكذا ما هو لي مُستَعَدٌّ لتبشيرِكُمْ أنتُمُ الذينَ في روميَةَ أيضًا، لأني لستُ أستَحي بإنجيلِ المَسيحِ، لأنَّهُ قوَّةُ اللهِ للخَلاصِ لكُل مَنْ يؤمِنُ: لليَهودي أوَّلًا ثُمَّ لليوناني. لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: "أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا".
* يوضح هنا إيمانها، فمُعلِّمنا بولس الرسول يُخاطب أهل رومية قائلًا: "أوَّلًا، أشكُرُ إلهي بيَسوعَ المَسيحِ مِنْ جِهَةِ جميعِكُمْ، أنَّ إيمانَكُمْ يُنادَى بهِ في كُل العالَمِ. فإنَّ اللهَ الذي أعبُدُهُ بروحي، في إنجيلِ ابنِهِ، شاهِدٌ لي كيفَ بلا انقِطاعٍ أذكُرُكُمْ، مُتَضَرعًا دائمًا في صَلَواتي عَسَى الآنَ أنْ يتيَسَّرَ لي مَرَّةً بمَشيئَةِ اللهِ أنْ آتيَ إلَيكُمْ. لأني مُشتاقٌ أنْ أراكُمْ، لكَيْ أمنَحَكُمْ هِبَةً روحيَّةً لثَباتِكُمْ، أيْ لنتعَزَّى بَينَكُمْ بالإيمانِ الذي فينا جميعًا، إيمانِكُمْ وإيماني" (رو1: 8-12).
* مُعلِّمنا بولس الرسول يؤكد هنا على الإيمان.. موضحًا إيمان أليصابات في قوله: "لأنْ فيهِ مُعلَنٌ برُّ اللهِ بإيمانٍ لإيمانٍ، كما هو مَكتوبٌ: "أمّا البارُّ فبالإيمانِ يَحيا" (رو1: 17).
الكاثوليكون (يع1: 1-18)
"يعقوبُ، عَبدُ اللهِ والرَّب يَسوعَ المَسيحِ، يُهدي السَّلامَ إلَى الاِثنَيْ عشَرَ سِبطًا الذينَ في الشَّتاتِ. اِحسِبوهُ كُلَّ فرَحٍ يا إخوَتي حينَما تقَعونَ في تجارِبَ مُتَنَوّعَةٍ، عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا. وأمّا الصَّبرُ فليَكُنْ لهُ عَمَلٌ تامٌّ، لكَيْ تكونوا تامينَ وكامِلينَ غَيرَ ناقِصينَ في شَيءٍ. وإنَّما إنْ كانَ أحَدُكُمْ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ، فليَطلُبْ مِنَ اللهِ الذي يُعطي الجميعَ بسَخاءٍ ولا يُعَيّرُ، فسَيُعطَى لهُ. ولكن ليَطلُبْ بإيمانٍ غَيرَ مُرتابٍ البَتَّةَ، لأنَّ المُرتابَ يُشبِهُ مَوْجًا مِنَ البحرِ تخبِطُهُ الريحُ وتدفَعُهُ. فلا يَظُنَّ ذلكَ الإنسانُ أنَّهُ يَنالُ شَيئًا مِنْ عِندِ الرَّب. رَجُلٌ ذو رأيَينِ هو مُتَقَلقِلٌ في جميعِ طُرُقِهِ. وليَفتَخِرِ الأخُ المُتَّضِعُ بارتِفاعِهِ، وأمّا الغَنيُّ فباتضاعِهِ، لأنَّهُ كزَهرِ العُشبِ يَزولُ. لأنَّ الشَّمسَ أشرَقَتْ بالحَر، فيَبَّسَتِ العُشبَ، فسَقَطَ زَهرُهُ وفَنيَ جَمالُ مَنظَرِهِ. هكذا يَذبُلُ الغَنيُّ أيضًا في طُرُقِهِ. طوبَى للرَّجُلِ الذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لأنَّهُ إذا تزَكَّى يَنالُ "إكليلَ الحياةِ" الذي وعَدَ بهِ الرَّبُّ للذينَ يُحِبّونَهُ. لا يَقُلْ أحَدٌ إذا جُرّبَ: "إني أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ"، لأنَّ اللهَ غَيرُ مُجَرَّبٍ بالشُّرورِ، وهو لا يُجَرّبُ أحَدًا. ولكن كُلَّ واحِدٍ يُجَرَّبُ إذا انجَذَبَ وانخَدَعَ مِنْ شَهوتِهِ. ثُمَّ الشَّهوةُ إذا حَبِلَتْ تلِدُ خَطيَّةً، والخَطيَّةُ إذا كمَلَتْ تُنتِجُ موتًا. لا تضِلّوا يا إخوَتي الأحِبّاءَ. كُلُّ عَطيَّةٍ صالِحَةٍ وكُلُّ مَوْهِبَةٍ تامَّةٍ هي مِنْ فوقُ، نازِلَةٌ مِنْ عِندِ أبي الأنوارِ، الذي ليس عِندَهُ تغييرٌ ولا ظِلُّ دَوَرانٍ. شاءَ فوَلَدَنا بكلِمَةِ الحَق لكَيْ نَكونَ باكورَةً مِنْ خَلائقِهِ".
* يوضح هنا صبرها في وصية مُعلِّمنا يعقوب الرسول للشعب أن يصبروا على كل ما يصيبهم من تجارب قائلًا: "عالِمينَ أنَّ امتِحانَ إيمانِكُمْ يُنشِئُ صَبرًا" (يع1: 3).
* فالعُقر الذي كانت تعاني منه أليصابات كان امتحان لها، لتزكية إيمانها وصبرها، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. "ليَنزِعَ عاري بَينَ الناسِ" (لو1: 25).
* لذلك يطوّب الذين يحتملون التجربة فيقول: "طوبَى للرَّجُلِ الذي يَحتَمِلُ التَّجرِبَةَ، لأنَّهُ إذا تزَكَّى يَنالُ "إكليلَ الحياةِ" الذي وعَدَ بهِ الرَّبُّ للذينَ يُحِبّونَهُ" (يع1: 12).
الإبركسيس``Pra[ic (أع1: 1-14)
"الكلامُ الأوَّلُ أنشأتُهُ يا ثاوُفيلُسُ، عن جميعِ ما ابتَدأَ يَسوعُ يَفعَلُهُ ويُعَلمُ بهِ، إلَى اليومِ الذي ارتَفَعَ فيهِ، بَعدَ ما أوصَى بالرّوحِ القُدُسِ الرُّسُلَ الذينَ اختارَهُمْ. الذينَ أراهُمْ أيضًا نَفسَهُ حَيًّا ببَراهينَ كثيرَةٍ، بَعدَ ما تألَّمَ، وهو يَظهَرُ لهُمْ أربَعينَ يومًا، ويتكلَّمُ عن الأُمورِ المُختَصَّةِ بملكوتِ اللهِ. وفيما هو مُجتَمِعٌ معهُمْ أوصاهُمْ أنْ لا يَبرَحوا مِنْ أورُشَليمَ، بل يَنتَظِروا "مَوْعِدَ الآبِ الذي سمِعتُموهُ مِني، لأنَّ يوحَنا عَمَّدَ بالماءِ، وأمّا أنتُمْ فسَتَتَعَمَّدونَ بالرّوحِ القُدُسِ، ليس بَعدَ هذِهِ الأيّامِ بكَثيرٍ". أمّا هُمُ المُجتَمِعونَ فسألوهُ قائلينَ: "يارَبُّ، هل في هذا الوقتِ ترُدُّ المُلكَ إلَى إسرائيلَ؟". فقالَ لهُمْ: "ليس لكُمْ أنْ تعرِفوا الأزمِنَةَ والأوقاتَ التي جَعَلها الآبُ في سُلطانِهِ، لكنكُمْ ستَنالونَ قوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيكُمْ، وتكونونَ لي شُهودًا في أورُشَليمَ وفي كُل اليَهوديَّةِ والسّامِرَةِ وإلَى أقصَى الأرضِ". ولَمّا قالَ هذا ارتَفَعَ وهُم يَنظُرونَ. وأخَذَتهُ سحابَةٌ عن أعيُنِهِمْ. وفيما كانوا يَشخَصونَ إلَى السماءِ وهو مُنطَلِقٌ، إذا رَجُلانِ قد وقَفا بهِمْ بلِباسٍ أبيَضَ، وقالا: "أيُّها الرجالُ الجليليّونَ، ما بالُكُمْ واقِفينَ تنظُرونَ إلَى السماءِ؟ إنَّ يَسوعَ هذا الذي ارتَفَعَ عنكُمْ إلَى السماءِ سيأتي هكذا كما رأيتُموهُ مُنطَلِقًا إلَى السماءِ". حينَئذٍ رَجَعوا إلَى أورُشَليمَ مِنَ الجَبَلِ الذي يُدعَى جَبَلَ الزَّيتونِ، الذي هو بالقُربِ مِنْ أورُشَليمَ علَى سفَرِ سبتٍ. ولَمّا دَخَلوا صَعِدوا إلَى العِلّيَّةِ التي كانوا يُقيمونَ فيها: بُطرُسُ ويعقوبُ ويوحَنا وأندَراوُسُ وفيلُبُّسُ وتوما وبَرثولَماوُسُ ومَتَّى ويعقوبُ بنُ حَلفَى وسِمعانُ الغَيورُ ويَهوذا أخو يعقوبَ. هؤُلاءِ كُلُّهُمْ كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطلبَةِ، مع النساءِ، ومَريَمَ أُم يَسوعَ، ومع إخوَتِهِ".
* يتكلم عن انتظار الرسل في أورشليم، حتى يحل عليهم الروح القدس.. فهم "كانوا يواظِبونَ بنَفسٍ واحِدَةٍ علَى الصَّلاةِ والطلبَةِ، مع النساءِ، ومَريَمَ أُم يَسوعَ، ومع إخوَتِهِ" (أع1: 14).
* فهو يشير هنا إلى مواظبة زكريا على الصلاة والطلبة من أجل أن يرزقه الله نسلًا.. وبالفعل حدث ذلك كما سنرى في الإنجيل.
إنجيل القداس (لو1: 1-25)
"إذ كانَ كثيرونَ قد أخَذوا بتأليفِ قِصَّةٍ في الأُمورِ المُتَيَقَّنَةِ عِندَنا، كما سلَّمَها إلَينا الذينَ كانوا منذُ البَدءِ مُعايِنينَ وخُدّامًا للكلِمَةِ، رأيتُ أنا أيضًا إذ قد تتبَّعتُ كُلَّ شَيءٍ مِنَ الأوَّلِ بتدقيقٍ، أنْ أكتُبَ علَى التَّوالي إلَيكَ أيُّها العَزيزُ ثاوُفيلُسُ، لتعرِفَ صِحَّةَ الكلامِ الذي عُلمتَ بهِ. كانَ في أيّامِ هيرودُسَ مَلِكِ اليَهوديَّةِ كاهِنٌ اسمُهُ زَكَريّا مِنْ فِرقَةِ أبيّا، وامرأتُهُ مِنْ بَناتِ هارونَ واسمُها أليصاباتُ. وكانا كِلاهُما بارَّينِ أمامَ اللهِ، سالِكَينِ في جميعِ وصايا الرَّب وأحكامِهِ بلا لومٍ. ولم يَكُنْ لهُما ولَدٌ، إذ كانَتْ أليصاباتُ عاقِرًا. وكانا كِلاهُما مُتَقَدمَينِ في أيّامِهِما. فبَينَما هو يَكهَنُ في نَوْبَةِ فِرقَتِهِ أمامَ اللهِ، حَسَبَ عادَةِ الكَهَنوتِ، أصابَتهُ القُرعَةُ أنْ يَدخُلَ إلَى هيكلِ الرَّب ويُبَخرَ. وكانَ كُلُّ جُمهورِ الشَّعبِ يُصَلّونَ خارِجًا وقتَ البَخورِ. فظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب واقِفًا عن يَمينِ مَذبَحِ البَخورِ. فلَمّا رَآهُ زَكَريّا اضطَرَبَ ووَقَعَ علَيهِ خَوْفٌ. فقالَ لهُ المَلاكُ: "لا تخَفْ يا زَكَريّا، لأنَّ طِلبَتَكَ قد سُمِعَتْ، وامرأتُكَ أليصاباتُ ستَلِدُ لكَ ابنًا وتُسَميهِ يوحَنا. ويكونُ لكَ فرَحٌ وابتِهاجٌ، وكثيرونَ سيَفرَحونَ بوِلادَتِهِ، لأنَّهُ يكونُ عظيمًا أمامَ الرَّب، وخمرًا ومُسكِرًا لا يَشرَبُ، ومِنْ بَطنِ أُمهِ يَمتَلِئُ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ. ويَرُدُّ كثيرينَ مِنْ بَني إسرائيلَ إلَى الرَّب إلهِهِمْ. ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ، ليَرُدَّ قُلوبَ الآباءِ إلَى الأبناءِ، والعُصاةَ إلَى فِكرِ الأبرارِ، لكَيْ يُهَيئَ للرَّب شَعبًا مُستَعِدًّا". فقالَ زَكَريّا للمَلاكِ: "كيفَ أعلَمُ هذا، لأني أنا شَيخٌ وامرأتي مُتَقَدمَةٌ في أيّامِها؟". فأجابَ المَلاكُ وقالَ لهُ: "أنا جِبرائيلُ الواقِفُ قُدّامَ اللهِ، وأُرسِلتُ لأُكلمَكَ وأُبَشرَكَ بهذا. وها أنتَ تكونُ صامِتًا ولا تقدِرُ أنْ تتكلَّمَ، إلَى اليومِ الذي يكونُ فيهِ هذا، لأنَّكَ لم تُصَدقْ كلامي الذي سيَتِمُّ في وقتِهِ". وكانَ الشَّعبُ مُنتَظِرينَ زَكَريّا ومُتَعّجبينَ مِنْ إبطائهِ في الهيكلِ. فلَمّا خرجَ لم يَستَطِعْ أنْ يُكلمَهُمْ، ففَهِموا أنَّهُ قد رأَى رؤيا في الهيكلِ. فكانَ يومِئُ إليهِمْ وبَقيَ صامِتًا. ولَمّا كمِلَتْ أيّامُ خِدمَتِهِ مَضَى إلَى بَيتِهِ. وبَعدَ تِلكَ الأيّامِ حَبِلَتْ أليصاباتُ امرأتُهُ، وأخفَتْ نَفسَها خَمسَةَ أشهُرٍ قائلَةً: "هكذا قد فعَلَ بيَ الرَّبُّ في الأيّامِ التي فيها نَظَرَ إلَيَّ، ليَنزِعَ عاري بَينَ الناسِ".
* الهدف من قراءة هذا الفصل اليوم هو الاحتفال برحمة الله المتحنن على البشر، وهي تتجلى اليوم في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان، الذي سبق السيد المسيح ليُعد له شعبًا مبررًا، ويُعد له الطريق.
* فميلاد يوحنا المعمدان هو أول خطوة بدأت بها رحلة خلاص البشرية، بتجسد السيد المسيح، وهي أول مظهر من مظاهر هذه الرحمة التي أنعم الله بها على البشرية.
* ففصل الإنجيل يُشير إلى البُشرى التي زفها الملاك لزكريا الكاهن عن قرب الموعد.. لتحقيق أمنيته التي كان يتمناها طوال عمره.. فبينما كان زكريا يقوم بخدمته الكهنوتية في نوبة فرقته، أصابته القرعة أن يدخل إلى الهيكل ليبخّر، فظهر له الملاك ليُبشره بميلاد يوحنا.
* وظهور ملاك وقت البخور لزكريا له مغزاه.. فيوحنا المعمدان ملاك.. "ها أنا أُرسِلُ أمامَ وجهِكَ مَلاكي، الذي يُهَيئُ طريقَكَ قُدّامَكَ" (مر1: 2).. لذلك اقتضى أن الذي يبشره هو ملاك.. وظهور الملاك عن يمين المذبح إشارة إلى أن يوحنا المعمدان سوف يضع يده اليمنى على رأس المُخلِّص وقت العماد، فبشر الملاك زكريا أولًا بقبول طلبته وسماع الله لها، وكذلك صلوات امرأته، وأنها سوف تلد ابنًا وتسميه يوحنا.. وهذا المولود سيكون سبب فرح لزكريا وابتهاج له وسيفرح بولادته كثيرين.
* واستكمل الملاك كلامه مع زكريا عن المولود العتيد قائلًا: "يكونُ عظيمًا".. فعظمته ترجع إلى امتلائه من الروح القدس وهو في بطن أمه، وهو الذي فاز بشرف تعميد السيد المسيح، ووضع يده عليه، وهو الذي فتح باب التوبة أمام الجميع.. "توبوا، لأنَّهُ قد اقتَرَبَ ملكوتُ السماواتِ" (مت3: 2).. واستكمل الملاك كلامه عن يوحنا قائلًا: "ويَتَقَدَّمُ أمامَهُ بروحِ إيليّا وقوَّتِهِ" (لو1: 17).
* فالضمير في كلمة "أمامه" يعود على الرب إلههم في الآية السابقة.. "ويَرُدُّ كثيرينَ مِنْ بَني إسرائيلَ إلَى الرَّب إلهِهِمْ" (لو1: 16).. فيكون ذلك واضحًا على أن السيد المسيح هو "الله الذي معنا"، وهو "الله الذي ظهر في الجسد".. "عظيمٌ هو سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَدِ" (1تي3: 16)، وروح إيليا هي الأمور المشتركة بينهم، وهي البتولية والتقشف ولبس الصوف، والقوة.. فكما وبخ إيليا أخاب وإيزابل بكل قوة وشجاعة (1مل21).. هكذا سوف يوبخ في المستقبل القريب يوحنا هيرودس وهيروديا.. "فإنَّ هيرودُسَ كانَ قد أمسَكَ يوحَنا وأوثَقَهُ وطَرَحَهُ في سِجنٍ مِنْ أجلِ هيروديّا امرأةِ فيلُبُّسَ أخيهِ، لأنَّ يوحَنا كانَ يقولُ لهُ: "لا يَحِلُّ أنْ تكونَ لكَ" (مت14: 3-4).
* كان على زكريا الكاهن الرجل صاحب الوقار أن تصدمه بشارة الملاك، ولكن حدث العكس.. فقد شك في الكلام ولم يصدقه، ونسى قصة ولادة اسحق من سارة العاقر وإبراهيم الشيخ، ونسى أن الله قادر على كل شيء، ونسى ولادة شمشون من أم عاقر، وصموئيل الذي ولد من حنة العاقر.. كل ذلك لم يتذكره، وشك في كلام الملاك ولم يصدقه، وطالب الملاك بعلامة ظاهرة يستطيع من خلالها أن يصدق هذه البشرى.
* فأراد الملاك أن يعطيه علامة على صدق البُشرى، بأن يعرفه بنفسه.. "فأجابَ المَلاكُ وقالَ لهُ: "أنا جِبرائيلُ الواقِفُ قُدّامَ اللهِ، وأُرسِلتُ لأُكلمَكَ وأُبَشرَكَ بهذا" (لو1: 19).. فعندما تأكد الملاك من شك زكريا أنذره بالعقاب جزاءً لعدم إيمانه فقال له:"وها أنتَ تكونُ صامِتًا ولا تقدِرُ أنْ تتكلَّمَ، إلَى اليومِ الذي يكونُ فيهِ هذا، لأنَّكَ لم تُصَدقْ كلامي الذي سيَتِمُّ في وقتِهِ" (لو1: 20).
* ولاشك أن الصمت الذي حدث لزكريا كان مصحوبًا بأصم (عدم السمع)، بدليل أن الناس كانوا يخاطبونه بالإشارة حين أرادوا أنيعرفوا الاسم الذي يتسمى به المولود.. وقد حدد الملاك لزكريا موعد انتهاء فترة صمته، وهو اليوم الذي يتحقق فيه كل ما أنبأه به.
وقد أثار إبطاء زكريا في الهيكل عن المعتاد استغراب الشعب.. لماذا تأخر؟! ماذا حدث؟! فخرج لهم صامتًا يُومئ لهم برأسه، فأدركوا أنه رأى رؤيا، وأكد ذلك لسانه الذي انعقد وأذنيه اللتين أصيبتا بالصمم.
* واستكمل زكريا خدمته رغم ما حدث له.. وحبلت أليصابات، وأخفت نفسها خمسة أشهر خوفًا من تعييرات الجيران، وكانت تردد القول بان الله فتح رحمها.. إذ نزع عنها عارها، لأن شعب إسرائيل كانوا يعتقدون أن العقم هو علامة على غضب الله على الشخص، فكانوا يعيرونه بذلك.. فهم كما حسبوا الولادة رضى من الله، إذ سلكوا بوصايا الله.. "وألتَفِتُ إلَيكُمْ وأُثمِرُكُمْ وأُكَثرُكُمْ وأفي ميثاقي معكُمْ" (لا26: 9). وقوله لنوح وبنيه: "أثمِروا واكثُروا واملأُوا الأرضَ" (تك9: 1).. لذلك كانوا يعيرون العاقر بعدم تمتعها بالثمر والإكثار الذي من عند الرب.
من هنا نرى الخط المشترك الواضح في قراءات الأحد الأول هو:"البشارة المفرحة".. واستجابة الله للصلوات المستمرة التي كان يقدمها زكريا وامرأته أليصابات.. وبدأت الكنيسة شهر كيهك بهذه البشارة لتهيئ ذهننا لولادة المُخلِّص الذي يأتي ويُخلِّص الجميع من سلطان الخطية وأسر الشيطان.
ليعطينا الرب روح الصلاة والطلبة المستمرة،
والإيمان بمواعيده الصادقة..
عُمق قراءات الأحد الثاني من شهر كيهك
بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء
مزمور عشية (مز144: 5، 7)
يتحدث مزمور إنجيل العشية عن طلب نزول السيد المسيح من السماء.."يا رَبُّ، طأطِئْ سماواتِكَ وانزِلِ. المِسِ الجِبالَ فتُدَخنَ... أرسِلْ يَدَكَ مِنَ العَلاءِ. أنقِذني ونَجني مِنَ المياهِ الكَثيرَةِ، مِنْ أيدي الغُرَباءِ". وكأن البشر يستغيثون بالمُخلص.. بسرعة النزول حتى لو اضطر الأمر أن تدخن الجبال عندما ينزل!! فحلول لاهوت السيد المسيح في أحشاء السيدة العذراء.. سوف يحدث عن قريب عندما يبشرها الملاك بحلول ابن الله في أحشائها.
إنجيل العشية (لو7: 36-50)
"وسألهُ واحِدٌ مِنَ الفَريسيينَ أنْ يأكُلَ معهُ، فدَخَلَ بَيتَ الفَريسي واتَّكأَ. وإذا امرأةٌ في المدينةِ كانَتْ خاطِئَةً، إذ عَلِمَتْ أنَّهُ مُتَّكِئٌ في بَيتِ الفَريسي، جاءَتْ بقارورَةِ طيبٍ، ووَقَفَتْ عِندَ قَدَمَيهِ مِنْ ورائهِ باكيَةً، وابتَدأتْ تبُلُّ قَدَمَيهِ بالدُّموعِ، وكانَتْ تمسَحُهُما بشَعرِ رأسِها، وتُقَبلُ قَدَمَيهِ وتدهَنُهُما بالطيبِ. فلَمّا رأَى الفَريسيُّ الذي دَعاهُ ذلكَ، تكلَّمَ في نَفسِهِ قائلًا: "لو كانَ هذا نَبيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الاِمرأةُ التي تلمِسُهُ وما هي! إنَّها خاطِئَةٌ". فأجابَ يَسوعُ وقالَ لهُ: "يا سِمعانُ، عِندي شَيءٌ أقولُهُ لكَ". فقالَ: "قُلْ، يا مُعَلمُ". "كانَ لمُدايِنٍ مَديونانِ. علَى الواحِدِ خَمسُمِئَةِ دينارٍ وعلَى الآخَرِ خَمسونَ. وإذ لم يَكُنْ لهُما ما يوفيانِ سامَحَهُما جميعًا. فقُلْ: أيُّهُما يكونُ أكثَرَ حُبًّا لهُ؟". فأجابَ سِمعانُ وقالَ: "أظُنُّ الذي سامَحَهُ بالأكثَرِ". فقالَ لهُ: "بالصَّوابِ حَكَمتَ". ثُمَّ التفَتَ إلَى المَرأةِ وقالَ لسِمعانَ: "أتَنظُرُ هذِهِ المَرأةَ؟ إني دَخَلتُ بَيتَكَ، وماءً لأجلِ رِجلَيَّ لم تُعطِ. وأمّا هي فقد غَسَلَتْ رِجلَيَّ بالدُّموعِ ومَسَحَتهُما بشَعرِ رأسِها. قُبلَةً لم تُقَبلني، وأمّا هي فمنذُ دَخَلتُ لم تكُفَّ عن تقبيلِ رِجلَيَّ. بزَيتٍ لم تدهُنْ رأسي، وأمّا هي فقد دَهَنَتْ بالطيبِ رِجلَيَّ. مِنْ أجلِ ذلكَ أقولُ لكَ: قد غُفِرَتْ خطاياها الكثيرَةُ، لأنَّها أحَبَّتْ كثيرًا. والذي يُغفَرُ لهُ قَليلٌ يُحِبُّ قَليلًا". ثُمَّ قالَ لها: "مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ". فابتَدأَ المُتَّكِئونَ معهُ يقولونَ في أنفُسِهِمْ: "مَنْ هذا الذي يَغفِرُ خطايا أيضًا؟". فقالَ للمَرأةِ: "إيمانُكِ قد خَلَّصَكِ، اِذهَبي بسَلامٍ".
* يتحدث إنجيل العشية عن المرأة الخاطئة التي دخلت بيت الفريسي، ودهنت قدمي مخلصنا الصالح بالطيب، واقفة من ورائه باكية، وأخذت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب، وتمسحهما بشعر رأسها.
* وفي هذا البيت أعلن السيد المسيح الخلاص للمرأة الخاطئة قائلًا لها: "مَغفورَةٌ لكِ خطاياكِ".
* فإعلان المخلص للمرأة بالخلاص هو إشارة اليوم لنا بإعلانه لنا بالخلاص، وذلك عن طريق بشارة الملاك جبرائيل للسيدة العذراء.. فكما أعلن للمرأة خلاصها بمغفرة خطاياها.. هكذا أعلن لنا كلنا الخلاص ببشارة والدته بميلاده منها.
مزمور باكر (مز72: 6-7)
"يَنزِلُ مِثلَ المَطَرِ علَى الجُزازِ، ومِثلَ الغُيوثِ الذّارِفَةِ علَى الأرضِ. يُشرِقُ في أيّامِهِ الصديقُ، وكثرَةُ السَّلامِ إلَى أنْ يَضمَحِلَّ القَمَرُ".
يوضح لنا مزمور باكر حلول مخلصنا الصالح في بطن السيدة العذراء.. بنزوله المملوء سلامًا، وليس كالدخان الذي يصدر من الجبال، عندما يحل عليها.. كما في مزمور العشية، ولكنه يحل بهدوء وسلام.. "يَنزِلُ مِثلَ المَطَرِ علَى الجُزازِ، ومِثلَ الغُيوثِ الذّارِفَةِ علَى الأرضِ. يُشرِقُ في أيّامِهِ الصديقُ، وكثرَةُ السَّلامِ إلَى أنْ يَضمَحِلَّ القَمَرُ".
فهو ملك السلام الذي حل السلام على الأرض بواسطته، كما ترنمت الملائكة عند ميلاده: "المَجدُ للهِ في الأعالي، وعلَى الأرضِ السَّلامُ، وبالناسِ المَسَرَّةُ" (لو2: 14).. فهو الذي يعطى السلام لكل نفس متعبة كما سنرى في إنجيل باكر.
إنجيل باكر (لو11: 20-28)
"ولكن إنْ كُنتُ بأصبِعِ اللهِ أُخرِجُ الشَّياطينَ، فقد أقبَلَ علَيكُمْ ملكوتُ اللهِ. حينَما يَحفَظُ القَويُّ دارَهُ مُتَسَلحًا،تَكونُ أموالُهُ في أمانٍ. ولكن مَتَى جاءَ مَنْ هو أقوَى مِنهُ فإنَّهُ يَغلِبُهُ، ويَنزِعُ سِلاحَهُ الكامِلَ الذي اتَّكلَ علَيهِ، ويوَزعُ غَنائمَهُ. مَنْ ليس مَعي فهو علَيَّ، ومَنْ لا يَجمَعُ مَعي فهو يُفَرقُ. مَتَى خرجَ الرّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإنسانِ، يَجتازُ في أماكِنَ ليس فيها ماءٌ يَطلُبُ راحَةً، وإذ لا يَجِدُ يقولُ: أرجِعُ إلَى بَيتي الذي خرجتُ مِنهُ. فيأتي ويَجِدُهُ مَكنوسًا مُزَيَّنًا. ثُمَّ يَذهَبُ ويأخُذُ سبعَةَ أرواحٍ أُخَرَ أشَرَّ مِنهُ، فتدخُلُ وتسكُنُ هناكَ، فتصيرُ أواخِرُ ذلكَ الإنسانِ أشَرَّ مِنْ أوائلِهِ!". وفيما هو يتكلَّمُ بهذا، رَفَعَتِ امرأةٌ صوتها مِنَ الجَمعِ وقالَتْ لهُ: "طوبَى للبَطنِ الذي حَمَلكَ والثَّديَينِ اللذَينِ رَضِعتَهُما". أمّا هو فقالَ: "بل طوبَى للذينَ يَسمَعونَ كلامَ اللهِ ويَحفَظونَهُ".
يتحدث إنجيل باكر عن شفاء السيد المسيح للإنسان الأخرس الذي كان يسكنه الشيطان.. فعندما أخرج السيد المسيح الشيطان.. تكلم الأخرس. فالسيد المسيح ملك السلام جاء ليعطي السلام لكل نفس متعبة.. جاء يشفي كل مَنْ تسلط عليهم إبليس.. فحلول ونزول الإله المتجسد سوف يكون مثل المطر على الجزة ومثل قطرات تقطر على الأرض.. فهو الذي يشرق في أيامه العدل وكثرة السلامة.
* ففي إنجيل العشية أعلن خلاص المسيح للكل.
* وفي إنجيل باكر أعلن سلام المُخلِّص.
* وفي إنجيل القداس أعلنت البشارة بمولده من السيدة العذراء.
البولس (رو3: 1 - 4: 1-3)
"إذًا ما هو فضلُ اليَهودي، أو ما هو نَفعُ الخِتانِ؟ كثيرٌ علَى كُل وجهٍ! أمّا أوَّلًا فلأنَّهُمُ استؤمِنوا علَى أقوالِ اللهِ. فماذا إنْ كانَ قَوْمٌ لم يكونوا أُمَناءَ؟ أفَلَعَلَّ عَدَمَ أمانَتِهِمْ يُبطِلُ أمانَةَ اللهِ؟ حاشا! بل ليَكُنِ اللهُ صادِقًا وكُلُّ إنسانٍ كاذِبًا. كما هو مَكتوبٌ: "لكَيْ تتبَرَّرَ في كلامِكَ، وتغلِبَ مَتَى حوكِمتَ". ولكن إنْ كانَ إثمُنا يُبَينُ برَّ اللهِ، فماذا نَقولُ؟ ألَعَلَّ اللهَ الذي يَجلِبُ الغَضَبَ ظالِمٌ؟ أتكلَّمُ بحَسَبِ الإنسانِ. حاشا! فكيفَ يَدينُ اللهُ العالَمَ إذ ذاكَ؟ فإنَّهُ إنْ كانَ صِدقُ اللهِ قد ازدادَ بكَذِبي لمَجدِهِ، فلماذا أُدانُ أنا بَعدُ كخاطِئٍ؟ أما كما يُفتَرَى علَينا، وكما يَزعُمُ قَوْمٌ أنَّنا نَقولُ: "لنَفعَلِ السَّيآتِ لكَيْ تأتيَ الخَيراتُ"؟ الذينَ دَينونَتُهُمْ عادِلَةٌ. فماذا إذًا؟ أنَحنُ أفضَلُ؟ كلاَّ البَتَّةَ! لأنَّنا قد شَكَوْنا أنَّ اليَهودَ واليونانيينَ أجمَعينَ تحتَ الخَطيَّةِ، كما هو مَكتوبٌ: "أنَّهُ ليس بارٌّ ولا واحِدٌ. ليس مَنْ يَفهَمُ. ليس مَنْ يَطلُبُ اللهَ. الجميعُ زاغوا وفَسَدوا مَعًا. ليس مَنْ يَعمَلُ صَلاحًا ليس ولا واحِدٌ. حَنجَرَتُهُمْ قَبرٌ مَفتوحٌ. بألسِنَتِهِمْ قد مَكَروا. سِمُّ الأصلالِ تحتَ شِفاهِهِمْ. وفَمُهُمْ مَملوءٌ لَعنَةً ومَرارَةً. أرجُلُهُمْ سريعَةٌ إلَى سفكِ الدَّمِ. في طُرُقِهِمِ اغتِصابٌ وسُحقٌ. وطَريقُ السَّلامِ لم يَعرِفوهُ. ليس خَوْفُ اللهِ قُدّامَ عُيونِهِمْ". ونَحنُ نَعلَمُ أنَّ كُلَّ ما يقولُهُ النّاموسُ فهو يُكلمُ بهِ الذينَ في النّاموسِ، لكَيْ يَستَدَّ كُلُّ فمٍ، ويَصيرَ كُلُّ العالَمِ تحتَ قِصاصٍ مِنَ اللهِ. لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ. لأنَّهُ لا فرقَ. إذ الجميعُ أخطأوا وأعوَزَهُمْ مَجدُ اللهِ، مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ. فأينَ الافتِخارُ؟ قد انتَفَى. بأي ناموسٍ؟ أبناموسِ الأعمالِ؟ كلاَّ. بل بناموسِ الإيمانِ. إذًا نَحسِبُ أنَّ الإنسانَ يتبَرَّرُ بالإيمانِ بدونِ أعمالِ النّاموسِ. أمِ اللهُ لليَهودِ فقط؟ أليس للأُمَمِ أيضًا؟ بَلَى، للأُمَمِ أيضًا لأنَّ اللهَ واحِدٌ، هو الذي سيُبَررُ الخِتانَ بالإيمانِ والغُرلَةَ بالإيمانِ. أفَنُبطِلُ النّاموسَ بالإيمانِ؟ حاشا! بل نُثَبتُ النّاموسَ. فماذا نَقولُ إنَّ أبانا إبراهيمَ قد وجَدَ حَسَبَ الجَسَدِ؟ لأنَّهُ إنْ كانَ إبراهيمُ قد تبَرَّرَ بالأعمالِ فلهُ فخرٌ، ولكن ليس لَدَى اللهِ. لأنَّهُ ماذا يقولُ الكِتابُ؟ "فآمَنَ إبراهيمُ باللهِ فحُسِبَ لهُ بِرًّا".
يتكلم مُعلمنا بولس الرسول في هذا الفصل أنه بأعمال الناموس لا يتبرر أحد أمام الله.. بل الكل يتبررون بالإيمان بيسوع المسيح، وذلك يبطل الإفخارستيا، ويثبت الناموس.. "لأنَّهُ بأعمالِ النّاموسِ كُلُّ ذي جَسَدٍ لا يتبَرَّرُ أمامَهُ. لأنَّ بالنّاموسِ مَعرِفَةَ الخَطيَّةِ. وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ" (رو3: 20-22).
"مُتَبَررينَ مَجّانًا بنِعمَتِهِ بالفِداءِ الذي بيَسوعَ المَسيحِ، الذي قَدَّمَهُ اللهُ كفّارَةً بالإيمانِ بدَمِهِ، لإظهارِ بِرهِ، مِنْ أجلِ الصَّفحِ عن الخطايا السّالِفَةِ بإمهالِ اللهِ، لإظهارِ بِرهِ في الزَّمانِ الحاضِرِ، ليكونَ بارًّا ويُبَررَ مَنْ هو مِنَ الإيمانِ بيَسوعَ" (رو3: 24-26).
ويظهر هذا الفصل.. إيمان السيدة العذراء ببشارة الملاك لها، عندما قال: "وأمّا الآنَ فقد ظَهَرَ بِرُّ اللهِ بدونِ النّاموسِ، مَشهودًا لهُ مِنَ النّاموسِ والأنبياءِ، بِرُّ اللهِ بالإيمانِ بيَسوعَ المَسيحِ، إلَى كُل وعلَى كُل الذينَ يؤمِنونَ".
الكاثوليكون (1يو1: 1-10 ، 2: 2)
"الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ، وقد رأينا ونَشهَدُ ونُخبِرُكُمْ بالحياةِ الأبديَّةِ التي كانَتْ عِندَ الآبِ وأُظهِرَتْ لنا. الذي رأيناهُ وسمِعناهُ نُخبِرُكُمْ بهِ، لكَيْ يكونَ لكُمْ أيضًا شَرِكَةٌ معنا. وأمّا شَرِكَتُنا نَحنُ فهي مع الآبِ ومع ابنِهِ يَسوعَ المَسيحِ. ونَكتُبُ إلَيكُمْ هذا لكَيْ يكونَ فرَحُكُمْ كامِلًا. وهذا هو الخَبَرُ الذي سمِعناهُ مِنهُ ونُخبِرُكُمْ بهِ: إنَّ اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ. إنْ قُلنا: إنَّ لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ، ودَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ. إنْ قُلنا: إنَّهُ ليس لنا خَطيَّةٌ نُضِلُّ أنفُسَنا وليس الحَقُّ فينا. إنِ اعتَرَفنا بخطايانا فهو أمينٌ وعادِلٌ، حتَّى يَغفِرَ لنا خطايانا ويُطَهرَنا مِنْ كُل إثمٍ. إنْ قُلنا: إنَّنا لم نُخطِئْ نَجعَلهُ كاذِبًا، وكلِمَتُهُ ليستْ فينا".. "وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا".
يتحدث هنا يوحنا الرسول عن ظهور السيد المسيح "الذي كانَ مِنَ البَدءِ، الذي سمِعناهُ، الذي رأيناهُ بعُيونِنا، الذي شاهَدناهُ، ولَمَسَتهُ أيدينا، مِنْ جِهَةِ كلِمَةِ الحياةِ. فإنَّ الحياةَ أُظهِرَتْ".
فهو هنا يعلن ظهور المخلص بدءًا بالبشارة بميلاده العجيب، الذي بشر به اليوم الملاك جبرائيل والدة الإله، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. فهو يعلن أن "اللهَ نورٌ وليس فيهِ ظُلمَةٌ البَتَّةَ" (1يو1: 5).. وأنه يجب أن تكون شركتنا معه في النور فإن كانت "لنا شَرِكَةً معهُ وسلكنا في الظُّلمَةِ، نَكذِبُ ولسنا نَعمَلُ الحَقَّ. ولكن إنْ سلكنا في النّورِ كما هو في النّورِ، فلنا شَرِكَةٌ بَعضِنا مع بَعضٍ" (1يو1: 6-7).
وأخيرًا.. يعلن لنا أن الذي بُشر به اليوم هو شفيعنا عند الآب الذي هو المُخلص يسوع المسيح، وهو أيضًا كفارة لخطايانا وليس لخطايانا نحن فقط بل لخطايا كل العالم.
الإبركسيس``Pra[ic (أع7: 30-34)
"ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ. إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ".
يتحدث هنا سفر الأعمال.. عن ظهور الرب لموسى النبي في برية سيناء، في لهيب النار، في العليقة المضطرمة بالنار.. "ولَمّا كمِلَتْ أربَعونَ سنَةً، ظَهَرَ لهُ مَلاكُ الرَّب في بَريَّةِ جَبَلِ سيناءَ في لهيبِ نارِ عُلَّيقَةٍ. فلَمّا رأَى موسَى ذلكَ تعَجَّبَ مِنَ المَنظَرِ. وفيما هو يتقَدَّمُ ليَتَطَلَّعَ، صارَ إليهِ صوتُ الرَّب: أنا إلهُ آبائكَ، إلهُ إبراهيمَ وإلهُ إسحاقَ وإلهُ يعقوبَ. فارتَعَدَ موسَى ولم يَجسُرْ أنْ يتطَلَّعَ. فقالَ لهُ الرَّبُّ: اخلَعْ نَعلَ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوْضِعَ الذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ" (أع7: 30-33).
وظهور الرب لموسى النبي في برية جبل سيناء في لهيب نار والعليقة يرمز إلى حَبَل السيدة العذراء بالسيد المسيح بدون رجل، أي بدون زرع بشر.. وهو إشارة واضحة لحلول اللاهوت في أحشاء السيدة العذراء، وخروج الإله المتجسد من بطنها الطاهرة، واتخاذ السيد المسيح جسدًا من جسدها الطاهر.. ثم يختم الفصل بقول الرب: "إني لقد رأيتُ مَشَقَّةَ شَعبي الذينَ في مِصرَ، وسمِعتُ أنينَهُمْ ونَزَلتُ لأُنقِذَهُمْ. فهَلُمَّ الآنَ أُرسِلُكَ إلَى مِصرَ" (أع7: 34).
فنزول الرب إلى مصر أرض العبودية لشعب الله هي مثلما نزل السيد المسيح إلى أرض الشقاء لكي يخلص البشر من سلطان الخطية وقبضة الشيطان.. ومصر هنا تشير إلى العبودية لشعب إسرائيل كما الأرض كلها تشير إلى عبودية الجنس البشري.
فنزل السيد المسيح إلى الأرض لكي يخلص كل من يؤمن به. فالفصل كله يحكى لنا مغزى روحي وهو نزول السيد المسيح إلى الأرض في بطن السيدة العذراء واتخاذه جسدًا منها يولد به لكي يخلص جنس البشر من عبودية العدو الشيطان.
مزمور إنجيل القداس (مز45: 10-11)
"اِسمَعي يا بنتُ وانظُري، وأميلي أُذُنَكِ، وانسَيْ شَعبَكِ وبَيتَ أبيكِ، فيَشتَهيَ المَلِكُ حُسنَكِ، لأنَّهُ هو سيدُكِ فاسجُدي لهُ".. فهو هنا يخاطب السيدة العذراء.. لمَنْ تسمع قول الملاك بالبشارة المفرحة لها ولكل البشرية "بتجسده منها".. أي أن يأخذ جسدًا منها، وأن تنصت لقول الرب.. وبالفعل فعلت السيدة العذراء هذا.. عندما قالت: "هوذا أنا أمة للرب ليكن لي كقولك". ويقول لها أن الملك بل ملك الملوك قد اشتهى حُسنِك، لأنه هو سيدك وربك.. وبالفعل اشتهى الملك حُسن السيدة العذراء، فنقول: "تطلع الآب من السماء.. فلم يجد مَنْ يُشبهك.. أرسل وحيده.. أتى وتجسد منكِ".
إنجيل القداس (لو1: 26-38)
"وفي الشَّهرِ السّادِسِ أُرسِلَ جِبرائيلُ المَلاكُ مِنَ اللهِ إلَى مدينةٍ مِنَ الجليلِ اسمُها ناصِرَةُ، إلَى عَذراءَ مَخطوبَةٍ لرَجُلٍ مِنْ بَيتِ داوُدَ اسمُهُ يوسُفُ. واسمُ العَذراءِ مَريَمُ. فدَخَلَ إليها المَلاكُ وقالَ: سلامٌ لكِ أيَّتُها الممتلئة نعمة! الرَّبُّ معكِ. مُبارَكَةٌ أنتِ في النساءِ". فلَمّا رأتهُ اضطَرَبَتْ مِنْ كلامِهِ، وفَكَّرَتْ: "ما عَسَى أنْ تكونَ هذِهِ التَّحيَّةُ!". فقالَ لها المَلاكُ:"لا تخافي يا مَريَمُ، لأنَّكِ قد وجَدتِ نِعمَةً عِندَ اللهِ. وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ. هذا يكونُ عظيمًا، وابنَ العَلي يُدعَى، ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ، ويَملِكُ علَى بَيتِ يعقوبَ إلَى الأبدِ، ولا يكونُ لمُلكِهِ نِهايَةٌ". فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: "كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟". فأجابَ المَلاكُ وقالَ لها: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَللُكِ، فلذلكََ أيضًا القُدّوسُ المَوْلودُ مِنكِ يُدعَى ابنَ اللهِ. وهوذا أليصاباتُ نَسيبَتُكِ هي أيضًا حُبلَى بابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا، لأنَّهُ ليس شَيءٌ غَيرَ مُمكِنٍ لَدَى اللهِ". فقالَتْ مَريَمُ: "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ". فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ".
عندما نرجع بخاطرنا إلى إنجيل الأحد الماضي الأحد الأول.. فنجده كان يتكلم عن رحمة الله للأمم التي تجلت في البشارة بميلاد يوحنا المعمدان السابق للسيد المسيح.
أما إنجيل اليوم فهو يتكلم عن البشارة بميلاد المُخلص نفسه.. فقد أرسل الله ملاكه المبشر جبرائيل للسيدة العذراء في الشهر السادس لحبل القديسة أليصابات بيوحنا المعمدان ليزف لها البشرى المفرحة بميلاد مخلص العالم منها وهذا ما اتضح في قوله: "وهذا هو الشَّهرُ السّادِسُ لتِلكَ المَدعوَّةِ عاقِرًا" (لو1: 36).
* والحكمة في اختيار العدد السادس (الشهر السادس) دون غيره هو أن في اليوم السادس تمت الخليقة بخلقة الإنسان وسقوطه في الخطية. فوجب أن يوجد فيه مجددًا فائزًا بالغفران وبالصفح عن خطاياه.وتبشيره بالخلاص الآتي وخروجه من تحت قبضة الشيطان.
* وأراد الله أن يبشر السيدة العذراء بالحبل حتى إذا رأت نفسها حبلى لا تستغرب ولا تضطرب، فمن الممكن أن تفكر في التخلص من الجنين أو الانتحار لكي تخفى عارها فدخل إليها الملاك وقال لها: "سلامٌ لكِ أيَّتُها الممتلئة نعمة! الرَّبُّ معكِ" (لو1: 28).
* وقد ابتدأ الملاك كلامه بالسلام لمريم لينزع منها الخوف، وأيضًا لأنه سوف يبشرها بمولد ملك السلام الذي ستتهلل الملائكة بميلاده، وهو الذي سيقيم الصلح والسلام بين السمائيين والأرضيين وبين النفس والجسد، وقد وصفها بعد ذلك بـ "الممتلئة نعمة" وذلك لتجسد كلمة الله منها.
* واستكمل الملاك كلامه معها قائلًا: "مباركة أنتِ في النساء" أي أنها اختصت بركة خاصة تنفرد بها دون سائر النساء لأنها ستدعى والدة الإله. وأن اللعنة التي حلت بالعالم بسبب حواء الأولى سوف ترفع عن الجنس البشرى بسبب حواء الثانية لأن المولود منها قدوس وسوف تتبارك به جميع شعوب الأرض.
* اضطربت السيدة العذراء عندما رأت الملاك وخافت من هيبته ومن كلامه الغريب الذي تسمعه لأول مرة وهى غير مدركة ماذا يحدث.. فاستغربت وخاصة أنها كانت تحيا حياة عادية وسط بنات فقيرات من عشيرتها.. فكيف يدعوها الملاك "مباركة أنتِ في النساء" وهى أحقرهن وأقلهن!! فهدأ الملاك من روعها بقوله لها: "لا تخافي ولا تضطربي"، فدخل السرور في قلبها وتشجعت.
* ومضى بعد ذلك الملاك مسترسلًا الكلام معها قائلًا: "وها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ" (لو1: 31). وبهذا تمت نبوة إشعياء النبي القائلة: "ها العَذراءُ تحبَلُ وتلِدُ ابنًا وتدعو اسمَهُ عِمّانوئيلَ" (إش7: 14).
* واستكمل الملاك كلامه مع السيدة العذراء موضحًا لها مَنْ هو الذي سيولد منها قائلًا لها: "ويُعطيهِ الرَّبُّ الإلهُ كُرسيَّ داوُدَ أبيهِ" (لو1: 32). وكان ذلك إتمامًا للوعد الصادر لداود قديمًا والمذكور في المزمور القائل: "أقسَمَ الرَّبُّ لداوُدَ بالحَق لا يَرجِعُ عنهُ:"مِنْ ثَمَرَةِ بَطنِكَ أجعَلُ علَى كُرسيكَ" (مز131: 11).
وكذلك ما ذكر في سفر صموئيل النبي حيث قال: "مَتَى كمُلَتْ أيّامُكَ واضطَجَعتَ مع آبائكَ، أُقيمُ بَعدَكَ نَسلكَ الذي يَخرُجُ مِنْ أحشائكَ وأُثَبتُ مَملكَتَهُ" (2صم7: 12).
وأما عن قول الملاك: "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد": فالمقصود به هو جميع الذين يؤمنون به أي أولاد إبراهيم بالإيمان وهو اليهود والأمم. وأما عن تخصيصه بيت يعقوب بالذات هو لأن بداية ملك المسيح سوف يكون من بيت يعقوب وهذا الملك لا انقضاء له لأنه روحاني وليس حسب التسلسل الجسدي الذي ينقضي بمرور الزمن، فالسيد المسيح يملك على المؤمنين بالنعمة وعلى القديسين في السماء بالمجد وذلك تحقيقًا لنبوءة دانيال النبي: "وفي أيّامِ هؤُلاءِ المُلوكِ، يُقيمُ إلهُ السماواتِ مَملكَةً لن تنقَرِضَ أبدًا، ومَلِكُها لا يُترَكُ لشَعبٍ آخَرَ، وتسحَقُ وتُفني كُلَّ هذِهِ المَمالِكِ، وهي تثبُتُ إلَى الأبدِ" (دا2: 44).
* تساءلت السيدة العذراء: "كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 34). وهذا التساؤل كان طبيعيًا لأن مَن مِن البشر يعقل هذا الكلام ولأول مرة في تاريخ البشرية يسمع مثل هذا وهذه البشرى؟ ولمَنْ؟ لعذراء حقيرة لا تتوقع هذا.
ولم يكن سؤالها هذا نابع عن شك في صحة الوعد كما فعل قبل ذلك زكريا ولم يصدق لذلك أخذ عقوبة أنه يبقى صامتًا حتى يرى بعينيه ما سوف يحدث.
ولكن سؤالها كان بسبب أنها تريد معرفة الكيفية التي سوف يتم بها هذا الكلام وهنا أوضح لها الملاك كيف يتم ذلك بأنه: "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العَلي تُظَللُكِ". فحلول الروح القدس عليك سوف يطهرك ويقدسك من الخطية الجدية ثم يأخذ من جسمك جسدًا يتحد به ويخرج منك الإله المتحد بالجسد الإله المتجسد.
* ثم تحول الملاك بعد ذلك إلى المولود فكلمها عنه لكي تعرف قدر وشرف المولود "فلذلك المولود منك يدعى ابن الله" وكلمة قدوس تدل على لاهوت السيد المسيح وهى من الأدلة القاطعة على لاهوته.
ولكي يؤكد الملاك بشارته للسيدة العذراء ذكر لها خبر حبل أليصابات نسيبتها وهى متقدمة في الأيام ليثبت لها أنه ليس شيء صعب وعسير عند الله.
فما كان من السيدة العذراء إلا أن قالت للملاك: "هوذا أنا أَمَةُ الرَّب. ليَكُنْ لي كقَوْلِكَ. فمَضَى مِنْ عِندِها المَلاكُ".
أخيرًا اقتنعت السيدة العذراء بكلام الملاك وببشارته المفرحة فسلمت نفسها لإرادة الله بإيمان وليس بشك كما فعل زكريا فدل ذلك على منتهى التواضع الذي تعيش به السيدة العذراء وفى تلك اللحظة عندما أسلمت إرادتها لله قائلة: "هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك".. حملت السيدة العذراء بالسيد المسيح من الروح القدس عندما حل عليها.
* وعندما نتأمل الخط الروحي الموجود في قراءات الأحد الثاني نجد أناجيل عشية وباكر تعلن الخلاص والسلام الذي سيحل على البشر بتجسد الابن الوحيد وفى الرسائل نجد إعلانًا واضحًا لإيمان السيدة العذراء وظهور السيد المسيح كما ظهر في العليقة.
وفى إنجيل القداس نجد الملاك يزف هذه البشارة المفرحة للسيدة العذراء بل للبشر جميعًا ولسان حاله يقول: "افرحوا وتهللوا يا جنس البشر لأنه هكذا أحب الله العالم فأرسل ابنه الوحيد مولود من امرأة لكي يخلصكم من عبودية العدو".
نسأل إلهنا الصالح أن يجعلنا مستحقين أن ننال وننعم بخلاصه..
عيد البشارة المجيد
تحتفل كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في يوم 29 برمهات من كل عام بعيد البشارة المجيد وقد سميت هذا العيد (بكر الأعياد) لأن فيه أُرسل رئيس الملائكة غبريال إلى السيدة العذراء مريم وهى مخطوبة للشيخ الوقور يوسف النجار، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقد بشرها بالحبل الإلهي وبالتجسد العجيب لابن الله الوحيد وحلوله في أحشائها الطاهرة وذلك لخلاص البشرية حيث قال لها [اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ] (لو35:1).
* وقد سُمى هذا العيد بعيد البشارة حيث تمت فيه البشرى المفرحة للبشرية كلها هذه البشرى التي لم يسبق لها في تاريخ البشرية كلها نظير ولن يكون... وذلك لأن العالم كان قبل تجسد السيد المسيح متخبطًا في طرقات مظلمة ومنحدرًا إلى ظلال الموت ولكن من شفقة الله الحنون على جنس البشر ومحبته للإنسان الذي خلقه دبر بحكمته الإلهية هذا التجسد العجيب الذي سبق وتنبأ عند الأنبياء قبل تجسده بقرون كثيرة [وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ.] (غل5،4:4).
* وقد تسلمت كنيستنا القبطية الأرثوذكسية الاحتفال بعيد البشارة من الآباء الرسل أنفسهم إذ جاء في القانون (31) من المجموع الصفوي ما نصه [إن البشارة أول الأعياد السيدية، وأنها تمت على لسان جبرائيل الملاك للسيدة البتول بمدينة الناصرة في 29 برمهات].
* وهنا نقول لماذا 29 برمهات بالذات؟
الإجابة هي:- لقد اتفق علماء ودارسي الكتاب المقدس أن شهر برمهات القبطي الذي يوافق (نيسان بالعبري) شهر مكرم لأن فيه قد حدثت بعض أمور عظيمة ففيه نجى بنو إسرائيل من عبودية المصريين وفيه احتفلوا بخروف الفصح (خر12) وكانوا يحتفلون فيه أيضًا بيوم الكفارة العظيم وهذا ما ذكر في (لا16).
# وفى هذا الشهر أيضًا حدث صلب مخلصنا الصالح وقيامته من الموت...
# فهو شهر يحمل الذكريات الجميلة، فهو شهر النجاة والخلاص من قبضة الشيطان ببشارتنا نحن الجالسين في الظلمة بتجسد الابن الوحيد وذلك من أجل خلاصنا...
* وتعيد كنيستنا القبطية في هذا اليوم الذي اتفق فيه بإعلان البُشرى وقد قررت الاحتفال به دائمًا في فترة الصوم الكبير إذا وقع خلاله...
# وحسب القاعدة الحسابية التي وضعتها الكنيسة تكون المدة من 29 برمهات وهو اليوم الذي بدأ فيه الحبل بالسيد المسيح إلى يوم ميلاده العجيب هي 9 أشهر كاملة...
* ونلاحظ أن الكنيسة منعت الاحتفال بعيد البشارة إذا وقع في الفترة من جمعة ختام الصوم وحتى يوم عيد القيامة وذلك لاحتفالها بتذكار آلام السيد المسيح وموته الخلاصي وقيامته المجيدة...
* وتنهى الكنيسة المؤمنين عن أن يفطروا في هذا العيد إذا وقع في الصوم الكبير...
# فنحتفل به عيدًا سيديًا يصلى بالطقس الفرايحي ولا يصام انقطاعيًا فقط... وتقرأ فيه قراءات يوم 29 برمهات (يوم العيد نفسه) على النحو التالي:-
- مزمور عشية (مز7،5:144).
- إنجيل عشية (لو36:7-50).
- مزمور باكر (مز6،5:71).
- إنجيل باكر (لو20:11-28).
- البولس (رو1:3-21).
- الكاثوليكون (1يو1:1 + 1:2-6).
- الإبركسيس (أع23:7-34).
- مزمور القداس (مز13:45).
- إنجيل القداس (لو26:1-38).
* إذا يا أحبائي فلنفرح بهذا العيد المجيد الذي فيه نحتفل بتجسد وتأنس الابن الوحيد من القديسة الطاهرة مريم... ونصرخ قائلين يا ربنا يسوع المسيح الذي تجسدت من أجل خلاصنا... أعنا على خلاص نفوسنا واسندنا في جهادنا... لنتمتع بهذا الخلاص المجاني ونكون معك كل حين.
فأنت الذي لك كل المجد والإكرام من الآن وإلى الأبد آمين.
عُمق قراءات الأحد الثالث من شهر كيهك
زيارة السيدة العذراء للقديسة أليصابات
مزمور العشية (مز132: 13، 14)
"لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ: هذِهِ هِيَ رَاحَتِي إلى الأَبَدِ. ههُنَا أَسْكُنُ لأَنِّي اشْتَهَيْتُهَا".
يتكلم هذا المزمور عن صهيون، وهو يشير هنا بصهيون إلى السيدة العذراء التي يحل فيها كلمة الآب، وهي التي اشتهاها أن يحل فيها وتكون له مسكنًا.. لأن راحة الآب فيها إلى الأبد، ولذلك سينزل الابن ويسكن فيها، لأنه هو اشتهى حسنها وجمالها.
إنجيل العشية (مر1: 23-31)
"وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ قَائِلًا: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَيَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ؟ أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَمَنْ أَنْتَ: قُدُّوسُ اللهِ! فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلًا: «اخْرَسْ! وَاخْرُجْ مِنْهُ!» فَصَرَعَهُ الرُّوحُ النَّجِسُ وَصَاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَجَ مِنْهُ. فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَائِلِينَ:«مَا هذَا؟ مَا هُوَ هذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!» فَخَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْجَلِيلِ. وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا".
هذا الفصل من الإنجيـل يتحدث عن تطهيـر السيد المسيح للشـعب الإسرائيلي من الأمراض ومن الأرواح النجسة، وهذا الشعب مُمثَّل في الرجل الذي به روح نجس، وكذلك عندما نسمع قصة شفاء حماة سمعان من الحمى.
جاء المسيح مخلص العالم ليُطهر الكل، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.. جاء ليُقيم الطبيعة الساقطة، ويُحيي الطبيعة الفاسدة التي تسلَّط عليها إبليس.
ووضع هذا الفصل من الإنجيل في عشية الأحد الثالث.. هو إعلان بأن الذي بُشِّرت به السيدة العذراء هو الله الشافـي الأمـراض بكل أنواعها.
هذا الطفل الذي لم يكتمل نمـوه بعد وهو مازال في بطن أمه، والذي سوف يسجد له يوحنا المعمدان وهو في بطن أمه.. أيضًا هو الله القـادر على كل شيء.. الذي جاء ليُخلص ويُطهر الشعب من كل شيء.
مزمور باكر (مز 85: 7، 8)
"أَرِنَا يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ، وَأَعْطِنَا خَلاَصَكَ. إِنِّي أَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ اللهُ الرَّبُّ، لأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِشَعْبِهِ وَلأَتْقِيَائِهِ، فَلاَ يَرْجِعُنَّ إِلَى الْحَمَاقَةِ".
فهو يطلب هنا من الرب أن يرينا الخلاص الذي دبره للبشرية.. اشتياقـًا لرؤيتنا للمخلص المسيح الرب.. الخليقة كلها مشتاقـة لخـلاص إلهنـا، فتطلب أن يعطيها الخلاص، ويريها الرحمـة.. لأن إلهنا إله السلام سيعطي كل أتقائيه وشعبه السلام.. كما قالت الملائكة في بشارتها المفرحة بالميـلاد "الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ" (لو 2: 14). فالله هو المتكلم لشعبه وأتقيائه.
إنجيل باكر (مت 15: 21-31)
"ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً:«ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ثُمَّ انْتَقَلَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى جَانِب بَحْرِ الْجَلِيلِ، وَصَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، مَعَهُمْ عُرْجٌ وَعُمْيٌ وَخُرْسٌ وَشُل وَآخَرُونَ كَثِيرُونَ، وَطَرَحُوهُمْ عِنْدَ قَدَمَيْ يَسُوعَ. فَشَفَاهُمْ حَتَّى تَعَجَّبَ الْجُمُوعُ إِذْ رَأَوْا الْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ، وَالشُّلَّ يَصِحُّونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْعُمْيَ يُبْصِرُونَ. وَمَجَّدُوا إِلهَ إِسْرَائِيلَ".
يتكلم هذا الفصل عن المرأة الكنعانية التي ذهبت للسيد المسيح صارخة له وقائلة "ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا". فهذا الفصل يوضح إبراء المخلص لمرضى شعبه.. بدليل ذلك عندما قال لها: لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب. فَقَالَتْ: نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!
ولأن الكلب من الحيوانات النجسة فكان اليهود يعتبرون الكنعانيين نجسين مثل الكلاب لأنهم ليسوا من شعب إسرائيل.. فأراد السيد المسيح أن يُذكرها بفكر اليهود عنهم بما أنه يهودي، وليوبخ اليهود أيضًا على مفاهيمهم الخاطئة والمعاملات السيئة التي كانوا يُعاملون بها الشعوب الأخرى، وليذكرها أيضًا بوضعها بالنسبة لليهود.
لم تُجادل المرأة في هذه المعاملة السيئة التي كانوا يُعَامَلون بها اليهود بل قالت: "وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" فأوضحت للكل خضوعها واتضاعها وقبولها أنها تُعامل معاملة الكلاب.
مع كل ذلك آمنت أن السيد المسيح هو شافي الأمراض، وهو الذي سيشفي ابنتها المجنونة.. فمدح السيد المسيح إيمانها، وتسليمها الكامل، وخضوعها، وأعطاها سؤالها بعد أن مدحها قائلًا "عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!"، ولم يكتفي بذلك بل قال لها "لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ"
البولس (رو 4: 4-24)
"أَمَّا الَّذِي يَعْمَلُ فَلاَ تُحْسَبُ لَهُ الأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. وَأَمَّا الَّذِي لاَ يَعْمَلُ، وَلكِنْ يُؤْمِنُ بِالَّذِي يُبَرِّرُ الْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرًّا. كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضًا فِي تَطْوِيبِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَحْسِبُ لَهُ اللهُ بِرًّا بِدُونِ أَعْمَال: «طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لاَ يَحْسِبُ لَهُ الرَّبُّ خَطِيَّةً». أَفَهذَا التَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى الْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى الْغُرْلَةِ أَيْضًا؟ لأَنَّنَا نَقُولُ: إِنَّهُ حُسِبَ لإِبْرَاهِيمَ الإِيمَانُ بِرًّا. فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي الْخِتَانِ أَمْ فِي الْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ، بَلْ فِي الْغُرْلَةِ! وَأَخَذَ عَلاَمَةَ الْخِتَانِ خَتْمًا لِبِرِّ الإِيمَانِ الَّذِي كَانَ فِي الْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَبًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي الْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضًا الْبِرُّ. وَأَبًا لِلْخِتَانِ لِلَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْخِتَانِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا يَسْلُكُونَ فِي خُطُوَاتِ إِيمَانِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ وَهُوَ فِي الْغُرْلَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الَّذِينَ مِنَ النَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ الإِيمَانُ وَبَطَلَ الْوَعْدُ: لأَنَّ النّاموسَ يُنْشِئُ غَضَبًا، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضًا تَعَدٍّ. لِهذَا هُوَ مِنَ الإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ النِّعْمَةِ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ وَطِيدًا لِجَمِيعِ النَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ النَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، الَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ اللهِ الَّذِي آمَنَ بِهِ، الَّذِي يُحْيِي الْمَوْتَى، وَيَدْعُو الأَشْيَاءَ غَيْرَ الْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ:«هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ». وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفًا فِي الإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتًا، إِذْ كَانَ ابْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ وَلاَ مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا». وَلكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ، بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضًا، الَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا، الَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ".
يتحدث البولس عن إيمان إبراهيم بالله واحتساب هذا الإيمان برًا، فيوضح هنا الإيمان بما سيتم في المستقبل.. كمثل إبراهيم الذي آمن بمواعيد الله.
وهذا ما حدث مع السيدة العذراء حينما آمنت بكلام الله المبعوث لها عن طريق الملاك في بشارته لها "اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (لو 1: 35)فأجابت السيدة العذراء الملاك قائلة "لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ" (لو 1: 38).
وهذا ما حدث مع أبونا إبراهيم إذ يقول "فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالنَّامُوسِ كَانَ الْوَعْدُ لإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ الإِيمَانِ" (رو 4: 13)، "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَبًا لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: هكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ" (رو 4: 18).
ويستكمل مُعلمنا بولس الرسول موضحًا إيمان إبراهيم "وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رو 4: 20-22).
ويقصد هنا بهذا الفصل أن يربط بين إيمان إبراهيم بنسله الذي سوف يأتي منه السيد المسيح، وبين إيمان السيدة العذراء التي منها سيأتي نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك 3: 15).
الكاثوليكون (1يو 2: 7-17)
"أَيُّهَا الإِخْوَةُ، لَسْتُ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَصِيَّةً جَدِيدَةً، بَلْ وَصِيَّةً قَدِيمَةً كَانَتْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْبَدْءِ. الْوَصِيَّةُ الْقَدِيمَةُ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا مِنَ الْبَدْءِ. أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَق فِيهِ وَفِيكُمْ: أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّهُ قَدْ غُفِرَتْ لَكُمُ الْخَطَايَا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الآبَ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ الْبَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ، لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ، وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ. لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ".
هنا يعطي يوحنا الرسول وصية جديدة للشعب وهي "أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ" (ع 8).
ثم يستكمل كلامه معهم قائلًا "مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ" (ع 9، 10)، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. بهذه الوصية يوضح لهم الفرق بين النور والظلمة.. لأن نور العالم سوف يأتي ليُبدد الظلمة التي يحيا فيها الشعب، ويبدد الظلام الذي تحيا فيه البشرية.
الأبركسيس (أع 7: 35-50)
"هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ. هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ. هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ فِي الْكَنِيسَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، مَعَ الْمَلاَكِ الَّذِي كَانَ يُكَلِّمُهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ، وَمَعَ آبَائِنَا. الَّذِي قَبِلَ أَقْوَالًا حَيَّةً لِيُعْطِيَنَا إِيَّاهَا. الَّذِي لَمْ يَشَأْ آبَاؤُنَا أَنْ يَكُونُوا طَائِعِينَ لَهُ، بَلْ دَفَعُوهُ وَرَجَعُوا بِقُلُوبِهِمْ إِلَى مِصْرَ قَائِلِينَ لِهَارُونَ: اعْمَلْ لَنَا آلِهَةً تَتَقَدَّمُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الَّذِي أَخْرَجَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ! فَعَمِلُوا عِجْلًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَأَصْعَدُوا ذَبِيحَةً لِلصَّنَمِ، وَفَرِحُوا بِأَعْمَالِ أَيْدِيهِمْ. فَرَجَعَ اللهُ وَأَسْلَمَهُمْ لِيَعْبُدُوا جُنْدَ السَّمَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ: هَلْ قَرَّبْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مُولُوكَ، وَنَجْمَ إِلهِكُمْ رَمْفَانَ، التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَسْجُدُوا لَهَا. فَأَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ. وَأَمَّا خَيْمَةُ الشَّهَادَةِ فَكَانَتْ مَعَ آبَائِنَا فِي الْبَرِّيَّةِ، كَمَا أَمَرَ الَّذِي كَلَّمَ مُوسَى أَنْ يَعْمَلَهَا عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي كَانَ قَدْ رَآهُ، الَّتِي أَدْخَلَهَا أَيْضًا آبَاؤُنَا إِذْ تَخَلَّفُوا عَلَيْهَا مَعَ يَشُوعَ فِي مُلْكِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ اللهُ مِنْ وَجْهِ آبَائِنَا، إِلَى أَيَّامِ دَاوُدَ الَّذِي وَجَدَ نِعْمَةً أَمَامَ اللهِ، وَالْتَمَسَ أَنْ يَجِدَ مَسْكَنًا لإِلهِ يَعْقُوبَ. وَلكِنَّ سُلَيْمَانَ بَنَى لَهُ بَيْتًا. لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي، كَمَا يَقُولُ النَّبِيُّ: السَّمَاءُ كُرْسِيٌّ لِي، وَالأَرْضُ مَوْطِئٌ لِقَدَمَيَّ. أَيَّ بَيْتٍ تَبْنُونَ لِي؟ يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَيٌّ هُوَ مَكَانُ رَاحَتِي؟ أَلَيْسَتْ يَدِي صَنَعَتْ هذِهِ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا؟".
يتكلم سفر الأعمال في هذا الفصل عن موسى والعليقة قائلًا "هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ" (ع 35) فموسى كان يرمز للسيد المسيح، والعليقة هي رمز للسيدة العذراء.
ويقول أيضًا "هذَا أَخْرَجَهُمْ صَانِعًا عَجَائِبَ وَآيَاتٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَفِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً. هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ" (ع 36، 37). فهو هنا يشير إلى مجيء السيد المسيح. وبعدها تكلم عن خيمة الشهادة التي كانت معهم في البرية والتي صنعها موسى كقول الرب.
هذه الخيمة كانت ترمز للسيدة العذراء فقد حَل الله بلاهوته في بطن السيدة العذراء كما كان يحل مجده على الخيمة.
وهو يختم حديثه قائلًا "لكِنَّ الْعَلِيَّ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَاتِ الأَيَادِي" (ع48) فالسيد المسيح استراح في بطن السيدة العذراء وتجسد منها.. لأنه كما نقول في ثيئوطوكية يوم الأربعاء qeotokia "تطلع الآب من السماء فلم يجد من يشبهكِ أرسل وحيده أتى وتجسد منكِ".
مزمور إنجيل القداس (مز 85: 10، 11)
"الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا. الْحَقُّ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُتُ، وَالْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ يَطَّلِعُ".
هذا المزمور يوضح تجسد السيد المسيح في كونه بتجسده.. صالح الكل السمائيين مع الأرضيين.. في أن الرحمة والحق التقيا.
عدل الله (الحق) تقابل مع الرحمة في تجسده، وعندما صُلب على الصليب تلاقى الكل.. فالحق هو السيد المسيح "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ" (يو 14: 6)، خرج من الأرض (أخذ جسدًا من السيدة العذراء) والبر الذي هو عدل الله تطلع من السماء.. فهو يُعلن خلاص البشرية بتجسد السيد المسيح.
إنجيل القداس (لو 1: 39-56)
"فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا، وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. فَقَالَتْ مَرْيَمُ: تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ. فَمَكَثَتْ مَرْيَمُ عِنْدَهَا نَحْوَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا".
يتحدث إنجيل قداس اليوم (الأحد الثالث من شهر كيهك) عن زيارة السيدة العذراء لأليصابات نسيبتها بمجرد سماع خبر حبلها بالقديس يوحنا المعمدان.. فعندما بشَّر الملاك جبرائيل الواقف أمام الله والدة الإله بالحبل المقدس وأراد أن يثبت لها صدق ما يقول بقوة الحجة والبرهان لكي تصدقهُ ولا تشك فيما يقول لها.. قال لها "وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِرًا، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (لو 1: 36، 37).
لذلك بعدما انصرف من عندها الملاك ذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا لكي ترى الأمر ماذا يحدث؟ ولتقوم أيضًا بواجب التهنئة ومشاركة أليصابات فرحتها بحبلها بعد أن كانت عاقرًا.
فلما دخلت السيدة العذراء بيت زكريا سلَّمت على أليصابات "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (ع 41).
فلم يكن ابتهاج الطفل يوحنا في بطن أمه من طبيعته أو من نفسه لأن لم يكن في مقدرته أن يفكر في أن يبتهج أم لا.. بل حدث هذا من فعل الروح القدس الذي ملأه وهو في بطن أمه عندما سمع صوت سلام السيدة العذراء لأمه.
فأليصابات نفسها فهمت معنى ارتكض الجنين في بطنها وأن التي أتت إليها ليست قريبتها فقط وإنما هي أصبحت أم ربها لذلك صرخت "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي" (ع 43، 44).
وعندما أحست أليصابات بالروح القدس.. بأن الطفل الذي حبلت به القديسة مريم هو رب الكل، وأن الذي في بطنها هي هو عبده ورسوله كما سبق وقيل في البشارة به.. صرخت قائلة "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟" (ع 43)، وكأنها تسأل كيف تستحق أن تأتي أم ربها إليها، وصرخت بعد ذلك بأن مجرد سماع صوت سَلاَم مريم إليها تحرك الجنين بِابْتِهَاج في بَطْنها.
وختمت أليصابات بالقول "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (ع 45)، فهي بهذه العبارة تعطي الطوبى للسيدة العذراء التي آمنت بكلام الملاك ولم تشُك فيه.. وهي هنا كأنها تؤكد على حقيقة الإيمان وهي "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى" (عب 11: 1).
بعد أن أعطت أليصابات الطوبى لمريم رأت السيدة العذراء أن ترد هذا المديح لمستحقه، وينبوعه، ومصدره وهو الرب "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ" (ع 47) فهي تُسبح وتعظم الرب لأنه أعطاها كرامة لا تستحقها، لأنه رفع مقامها لأن تصبح أم الرب.
ولم تقتصر مريم على إظهار شكرها لربها بشفتيها بل عبرت أيضًا في ابتهاجها بالروح أيضًا إذ قالت "َتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (ع 47) فدعت الله مخلصها فهو الرب الذي يُخلص شعبه من خطاياهم ومن الموت المحكوم عليهم به، وأوضحت بذلك سبب شكرها لله إذ قالت"لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (ع 47) فهي تقصد هنا أن الله نظر إلى ذلها ورفعها من مكانها الوضيع لكي تصبح أن للرب (أي جعلها والدة لابنه) وهكذا نسبت كل ما نالته من نِعَم إلى فضيلة الاتضاع.
ثم بعد ذلك تنبأت السيدة العذراء عن تقدير وتكريم جميع الشعوب لها بما استحقت أن تناله من نِعَم فقالت "فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي" (ع 48)، وهذه الطوبى حدثت بالفعل عندما طوبتها المرأة التي سمعت تعاليم السيد المسيح المحيية بعدما أخرج الشيطان من الرجُل الأعمى الأخرس صرخت المرأة قائلة "طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا" (لو 11: 27).
واستكملت السيدة العذراء كلامها في تمجيد الله بتعداد أعمال قوته فقالت أنه "صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ" (ع 51). فالزراع هنا كناية عن القدرة في العمل.. يمين الرب صنعت قوة يمين الرب رفعتني "يَمِينُ الرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ الرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ" (مز 118: 16)، وكما قال إشعياء "هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُوَّةٍ يَأْتِي وَذِرَاعُهُ تَحْكُمُ لَهُ" (إش 40: 10).
فالرب هو الذي شتت المستكبرين بفكر قلوبهم وأذلهم.. فالله يقاوم المستكبرين ويعطي المتواضعين قوة "اللهَ يُقَاوِمُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً" (1بط 5: 5).
فالإنسان عندما يعتمد على قوته وذراعه البشري ويستكبر ويستبد بالله ويتجاسر على الله كما فعل فرعون مصر ولذلك قالت السيدة العذراء "أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ" (ع 52)، وهذه العبارة هي نفس المعنى الذي جاء في سفر صموئيل "الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ. يُقِيمُ الْمِسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ. يَرْفَعُ الْفَقِيرَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِلْجُلُوسِ مَعَ الشُّرَفَاءِ وَيُمَلِّكُهُمْ كُرْسِيَّ الْمَجْدِ" (1صم 2: 7، 8)، وكذلك ما قاله داود المرنم "الْمُقِيمِ الْمَسْكِينَ مِنَ التُّرَابِ، الرَّافِعِ الْبَائِسَ مِنَ الْمَزْبَلَةِ لِيُجْلِسَهُ مَعَ أَشْرَافٍ، مَعَ أَشْرَافِ شَعْبِهِ" (مز 113: 7، 8).
أخيرًا قالت السيدة العذراء في ختام تسبحتها "عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً" (ع)، أي أنه أعانهُ بكل الطرق في كل زمان وفي أي مكان.. فقد دبَّر حياته وهو في البرية أربعين سنة حين أعال شعب إسرائيل بعد خروجه من مصر، والآن أيضًا تعهده بالخلاص عن طريق المُخلص الذي وعدهم به وهو الإله الذي سيتجسد منها.
ثم أقمات السيدة العذراء في بيت أليصابات ثلاثة أشهر الفترة المتبقية لها في حملها لكي تلد يوحنا المعمدان.. وذلك لخدمتها وإكرامًا لها لأنها كانت امرأة عجوز.. ثم عادت بعد ذلك إلى بيتها قبل أن تلد أليصابات حتى لا يخدم سيد الكل يوحنا في مولده.
وعندما نتأمل الخط الروحي الذي يربط القراءات الخاصة بهذه المناسبة نجد أن مزمور العشية يتحدث عن اختيار المخلص للسيدة العذراء أن يحل في أحشائها "لأَنَّ الرَّبَّ قَدِ اخْتَارَ صِهْيَوْنَ. اشْتَهَاهَا مَسْكَنًا لَهُ" (مز 132: 13).
ثم يحدثنا إنجيل العشية عن تطهير المخلص للشعب من الأرواح النجسة والأمراض ليعد له شعبًا مبررًا.
وفي مزمور باكر يتحدث على لسان المرأة الكنعانية التي سيتحدث عنها الإنجيل قائلًا "أَرِنَا يَا رَبُّ رَحْمَتَكَ، وَأَعْطِنَا خَلاَصَكَ" (مز 85: 7).
فهي التي صرخت له في إنجيل باكر قائلة "وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!" (مت 15: 27)، فاستحقت أن تسمع "يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ!" (مت 15: 28) فتحدث الإنجيل عن إبراء المخلص لمرض شعبه.
ثم تحدث البولس عن الإيمان (إيمان إبراهيم) "فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الرَّجَاءِ، آمَنَ عَلَى الرَّجَاءِ وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا ِللهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. لِذلِكَ أَيْضًا: حُسِبَ لَهُ بِرًّا" (رو 4: 18، 20-22)، وهذا ما حدث بالفعل مع السيدة العذراء "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45).
ويأتي الكاثوليكون ليوضح لنا أن "أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ" (1يو 2: 8) فيوجه نظرنا إلى قرب مجيء نور العالم، وبطلوع النور تنقشع الظلمة وتتبدد.
ثم يحدثنا سفر أعمال الرسل (الإبركسيس``Pra[ic ) عن موسى وأمر العليقة التي تشير إلى السيدة العذراء وكلامه عن المسيح "هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ" (أع 7 : 35).
وأخيرًا يُحدثنا إنجيل القداس عن زيارة السيدة العذراء لأليصابات، وإعطائها الطوبى "فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ" (لو 1: 45)، وتسبحتها المشهورة "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (لو 1: 46، 47).
عُمق قراءات الأحد الرابع من شهر كيهك
ولادة يوحنا المعمدان
مزمور العشية (مز 87: 5)
"وَلِصِهْيَوْنَ يُقَالُ: هذَا الإِنْسَانُ، وَهذَا الإِنْسَانُ وُلِدَ فِيهَا، وَهِيَ الْعَلِيُّ يُثَبِّتُهَا".
ويتحدث هذا المزمور بلسان السيدة العذراء.. المرموز لها بصهيون فهي مدينة الملك العظيم الذي أحبها واشتهى أن يسكن فيها.. فهو يشير إلى حبلها بمخلص العالم في أحشائها الطاهرة، وأن إلهها الذي في بطنها هو الذي يقول ويتحدث في هذا المزمور "الأم صهيون تقول أن إنسان وإنسان صار فيها وهو العلى الذي أسسها إلى الأبد".
إنجيل العشية (لو 8: 1-3)
"وَعَلَى أَثَرِ ذلِكَ كَانَ يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمَعَهُ الاثْنَا عَشَرَ. وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ، وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ".
يتكلم إنجيل العشية عن مَنْ كان يعول السيد المسيح أثناء حياته وهى ضمنيًا يأخذ معهم السيدة العذراء التي حملته في بطنها أثناء الحبل به.. ثم ولدته وقمطته وأخذت تعوله وتُعلمه الفضيلة.. فأخذ ينمو قليلًا قليلًا بشبه البشر ما خلا الخطية وحدها، وأخذ ينمو في القامة والحكمة عند الله والناس..
ومِنْ ضمن مَنْ كان يعوله أثناء كرازته وبشارته بالملكوت.. بعض النساء التي كن قد شفين من بعض الأمراض والأرواح الشريرة.. ومن ضمن هؤلاء النساء مريم المجدلية التي أخرج السيد المسيح منها سبعة شياطين.. وهنا يوضح أن السيد المسيح جاء شافيًا للأمراض مطلقًا للأسرى الذين تسلط عليهم إبليس مُحررًا للأجساد التي سكنها الشيطان.
مزمور باكر (10:96-12)
"قُولُوا بَيْنَ الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ فَلاَ تَتَزَعْزَعُ. يَدِينُ الشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ. لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ. لِيَجْذَلِ الْحَقْلُ وَكُلُّ مَا فِيهِ، لِتَتَرَنَّمْ حِينَئِذٍ كُلُّ أَشْجَارِ الْوَعْرِ".
يتحدث المزمور عن فرحة الخليقة كلها بقرب مجيء المخلص.. الكل يستعد لهذا الحدث العظيم الذي تنتظره الخليقة منذ زمن بعيد.. الكل ينتظر زمن الخلاص.. السموات متهللة بفرحة مجيء المخلص والأرض مبتهجة بنزوله إليها.
إنجيل باكر (مر 3: 28-35)
"اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ الْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي الْبَشَرِ، وَالتَّجَادِيفَ الَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. وَلكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً. لأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ مَعَهُ رُوحًا نَجِسًا. فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجًا وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. وَكَانَ الْجَمْعُ جَالِسًا حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجًا يَطْلُبُونَكَ. فَأَجَابَهُمْ قِائِلًا: مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟ ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى الْجَالِسِينَ وَقَالَ: هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي، لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي".
يتحدث إنجيل باكر عن مغفرة السيد المسيح لخطايا البشر حتى مَنْ يُجدف عليه نفسه، ولكن مَنْ يجدف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد بل هو مستوجب دينونة أبدية "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ الْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي الْبَشَرِ، وَالتَّجَادِيفَ الَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. وَلكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً" (ع 28، 29).
وهنا أوضح لهم السيد المسيح مبدأين مهمين في إيمان المسيحية عامة هما:
* أنه لا توجد خطية في العالم غير قابلة للغفران متى تاب عنها الشخص واعترف بها أو متى أعقبت الخطية توبة صادقة من القلب وذلك في رجائنا الثابت بالسيد المسيح.
* أن الخطايا التي لا تُغفر هي الخطايا التي تعاند الروح القدس.. وقررها آباء الكنيسة وحصروها في ثلاثة وهي (اليأس - الإصرار على الخطايا حتى الموت - التجديف على الروح القدس).
فالشخص الذي يُجدف على الروح القدس يفقد رجاؤه في السيد المسيح في الحياة الأبدية والدهر الآتي.. والذي لا ينتبه لتنبيهات الروح القدس وتوبيخاته ويزدري بفعل الروح القدس في تغيير القلوب ويستمر في شروره وأفعاله الرديئة حتى لحظة الموت.
وأيضًا الشخص الذي يُجدف على روح الله القدوس فهذا لا تغفر له خطيئته.. والتجديف على الروح القدس أننا ننسب المعجزات التي يصنعها السيد المسيح بقوة روحه القدوس إلى الشيطان، وذلك كما فعل الفريسيون "إِنَّهُ بِرَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ" (ع 22).
والسبب في عدم مغفرة خطية التجديف على الروح القدس هو أن الذي يأتي بالخاطئ إلى التوبة هو الروح القدس.. فمَنْ أغاظ الروح القدس عمدًا بمقاومته فارقه ومات المسكين في خطيته.
البولس (رو 9: 6-33)
"وَلكِنْ لَيْسَ هكَذَا حَتَّى إِنَّ كَلِمَةَ اللهِ قَدْ سَقَطَتْ. لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ الَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعًا أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ الْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ اللهِ، بَلْ أَوْلاَدُ الْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلًا. لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هذِهِ: «أَنَا آتِي نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ». وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. لأَنَّهُ وَهُمَا لَمْ يُولَدَا بَعْدُ، وَلاَ فَعَلاَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، لِكَيْ يَثْبُتَ قَصْدُ اللهِ حَسَبَ الاخْتِيَارِ، لَيْسَ مِنَ الأَعْمَالِ بَلْ مِنَ الَّذِي يَدْعُو، قِيلَ لَهَا: «إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ». كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ» فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ عِنْدَ اللهِ ظُلْمًا؟ حَاشَا! لأَنَّهُ يَقُولُ لِمُوسَى: «إِنِّي أَرْحَمُ مَنْ أَرْحَمُ، وَأَتَرَاءَفُ عَلَى مَنْ أَتَرَاءَفُ». فَإِذًا لَيْسَ لِمَنْ يَشَاءُ وَلاَ لِمَنْ يَسْعَى، بَلْ ِللهِ الَّذِي يَرْحَمُ. لأَنَّهُ يَقُولُ الْكِتَابُ لِفِرْعَوْنَ: «إِنِّي لِهذَا بِعَيْنِهِ أَقَمْتُكَ، لِكَيْ أُظْهِرَ فِيكَ قُوَّتِي، وَلِكَيْ يُنَادَى بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ». فَإِذًا هُوَ يَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُقَسِّي مَنْ يَشَاءُ. فَسَتَقُولُ لِي:«لِمَاذَا يَلُومُ بَعْدُ؟ لأَنْ مَنْ يُقَاوِمُ مَشِيئَتَهُ؟» بَلْ مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تُجَاوِبُ اللهَ؟ أَلَعَلَّ الْجِبْلَةَ تَقُولُ لِجَابِلِهَا: «لِمَاذَا صَنَعْتَنِي هكَذَا؟» أَمْ لَيْسَ لِلْخَزَّافِ سُلْطَانٌ عَلَى الطِّينِ، أَنْ يَصْنَعَ مِنْ كُتْلَةٍ وَاحِدَةٍ إِنَاءً لِلْكَرَامَةِ وَآخَرَ لِلْهَوَانِ؟ فَمَاذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ. وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ، الَّتِي أَيْضًا دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا، لَيْسَ مِنَ الْيَهُودِ فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أَيْضًا. كَمَا يَقُولُ فِي هُوشَعَ أَيْضًا:«سَأَدْعُو الَّذِي لَيْسَ شَعْبِي شَعْبِي، وَالَّتِي لَيْسَتْ مَحْبُوبَةً مَحْبُوبَةً. وَيَكُونُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فِيهِ: لَسْتُمْ شَعْبِي، أَنَّهُ هُنَاكَ يُدْعَوْنَ أَبْنَاءَ اللهِ الْحَيِّ». وَإِشَعْيَاءُ يَصْرُخُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ: «وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ، فَالْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ. لأَنَّهُ مُتَمِّمُ أَمْرٍ وَقَاضٍ بِالْبِرِّ. لأَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ أَمْرًا مَقْضِيًّا بِهِ عَلَى الأَرْضِ». وَكَمَا سَبَقَ إِشَعْيَاءُ فَقَالَ: «لَوْلاَ أَنَّ رَبَّ الْجُنُودِ أَبْقَى لَنَا نَسْلًا، لَصِرْنَا مِثْلَ سَدُومَ وَشَابَهْنَا عَمُورَةَ». فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ. وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ، لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. فَإِنَّهُمُ اصْطَدَمُوا بِحَجَرِ الصَّدْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هَا أَنَا أَضَعُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ صَدْمَةٍ وَصَخْرَةَ عَثْرَةٍ، وَكُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى".
يتكلم مُعلمنا بولس الرسول هنا في هذا الفصل عن نسل إبراهيم، وأنه ليس جميع الذين مِنْ نسل إبراهيم هم أولادًا.. بل أولاد الموعد فقط هم النسل، وهو إسحق.. وهنا يرمز بولادة اسحق أنه ابن الموعد "لأَنَّ كَلِمَةَ الْمَوْعِدِ هِيَ هذِهِ: أَنَا آتِي نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ ابْنٌ" (ع 9).
ويستكمل معلمنا بولس كلامه موضحًا أن اسحق ابن الموعد وهو ابن الحرة الذي يرث "وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ رِفْقَةُ أَيْضًا، وَهِيَ حُبْلَى مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ أَبُونَا. قِيلَ لَهَا: إِنَّ الْكَبِيرَ يُسْتَعْبَدُ لِلصَّغِيرِ" (ع 10، 12).
ثم يقول أن هذه مسرة الله إذ هو يرحم مَنْ يشاء ويقسى مَنْ يشاء.. ويوضح ذلك فيقول "فَمَاذَا؟ إِنْ كَانَ اللهُ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَ غَضَبَهُ وَيُبَيِّنَ قُوَّتَهُ، احْتَمَلَ بِأَنَاةٍ كَثِيرَةٍ آنِيَةَ غَضَبٍ مُهَيَّأَةً لِلْهَلاَكِ. وَلِكَيْ يُبَيِّنَ غِنَى مَجْدِهِ عَلَى آنِيَةِ رَحْمَةٍ قَدْ سَبَقَ فَأَعَدَّهَا لِلْمَجْدِ، الَّتِي أَيْضًا دَعَانَا نَحْنُ إِيَّاهَا، لَيْسَ مِنَ الْيَهُودِ فَقَطْ بَلْ مِنَ الأُمَمِ أَيْضًا" (ع22 -24).
ثم يختم بعد ذلك كلامه بقوله "فَمَاذَا نَقُولُ؟ إِنَّ الأُمَمَ الَّذِينَ لَمْ يَسْعَوْا فِي أَثَرِ الْبِرِّ أَدْرَكُوا الْبِرَّ، الْبِرَّ الَّذِي بِالإِيمَانِ. وَلكِنَّ إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي أَثَرِ نَامُوسِ الْبِرِّ، لَمْ يُدْرِكْ نَامُوسَ الْبِرِّ! لِمَاذَا؟ لأَنَّهُ فَعَلَ ذلِكَ لَيْسَ بِالإِيمَانِ، بَلْ كَأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ" (ع 30، 31، 32).
الكاثوليكون (1يو 2: 24-29 ، 3: 1-3)
"أَمَّا أَنْتُمْ فَمَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ فَلْيَثْبُتْ إِذًا فِيكُمْ. إِنْ ثَبَتَ فِيكُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ، فَأَنْتُمْ أَيْضًا تَثْبُتُونَ فِي الابْنِ وَفِي الآبِ. وَهذَا هُوَ الْوَعْدُ الَّذِي وَعَدَنَا هُوَ بِهِ: الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ هذَا عَنِ الَّذِينَ يُضِلُّونَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَق وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ. وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ. إِنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ بَارٌّ هُوَ، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَنْ يَصْنَعُ الْبِرَّ مَوْلُودٌ مِنْهُ" (1يو 2: 24-29).
"اُنْظُرُوا أَيَّةَ مَحَبَّةٍ أَعْطَانَا الآبُ حَتَّى نُدْعَى أَوْلاَدَ اللهِ! مِنْ أَجْلِ هذَا لاَ يَعْرِفُنَا الْعَالَمُ، لأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ. أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ. وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ. كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي" (1يو 3: 1-3).
يتحدث هنا يوحنا الحبيب عن الوعد الذي وعدنا هو به وهو الحياة الأبدية فيثبت المؤمنين على هذا الوعد.. الحياة الأبدية، ويقول لهم "وَالآنَ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، اثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ" (ع28).
ثم يستكمل معلمنا يوحنا قائلًا "أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، الآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ اللهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ" (ع 2).
فهو يتحدث هنا عن ظهور المخلص في جسد بشري كما نحن، ومتى يظهر.. سوف نراه بالجسد فهو يهيئ هنا الأذهان لولادة الإله المتجسد (سنراه كما هو) فنحن نكون مثله.
الإبركسيس (أع 7: 8-22)
"وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ، وَهكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ. وَإِسْحَاقُ وَلَدَ يَعْقُوبَ، وَيَعْقُوبُ وَلَدَ رُؤَسَاءَ الآبَاءِ الاثْنَيْ عَشَرَ. وَرُؤَسَاءُ الآبَاءِ حَسَدُوا يُوسُفَ وَبَاعُوهُ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ اللهُ مَعَهُ، وَأَنْقَذَهُ مِنْ جَمِيعِ ضِيقَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ نِعْمَةً وَحِكْمَةً أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَقَامَهُ مُدَبِّرًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِهِ. «ثُمَّ أَتَى جُوعٌ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ وَكَنْعَانَ، وَضِيقٌ عَظِيمٌ، فَكَانَ آبَاؤُنَا لاَ يَجِدُونَ قُوتًا. وَلَمَّا سَمِعَ يَعْقُوبُ أَنَّ فِي مِصْرَ قَمْحًا، أَرْسَلَ آبَاءَنَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ اسْتَعْرَفَ يُوسُفُ إِلَى إِخْوَتِهِ، وَاسْتَعْلَنَتْ عَشِيرَةُ يُوسُفَ لِفِرْعَوْنَ. فَأَرْسَلَ يُوسُفُ وَاسْتَدْعَى أَبَاهُ يَعْقُوبَ وَجَمِيعَ عَشِيرَتِهِ، خَمْسَةً وَسَبْعِينَ نَفْسًا. فَنَزَلَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ وَمَاتَ هُوَ وَآبَاؤُنَا، وَنُقِلُوا إِلَى شَكِيمَ وَوُضِعُوا فِي الْقَبْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ بِثَمَنٍ فِضَّةٍ مِنْ بَنِي حَمُورَ أَبِي شَكِيمَ. وَكَمَا كَانَ يَقْرُبُ وَقْتُ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ عَلَيْهِ لإِبْرَاهِيمَ، كَانَ يَنْمُو الشَّعْبُ وَيَكْثُرُ فِي مِصْرَ، إِلَى أَنْ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَاحْتَالَ هذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا، حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا. «وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا، فَرُبِّيَ هذَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ. وَلَمَّا نُبِذَ، اتَّخَذَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا ابْنًا. فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ".
في هذا الفصل يتحدث إلينا استفانوس عن ولادة إسحق وختانه "وَأَعْطَاهُ عَهْدَ الْخِتَانِ، وَهكَذَا وَلَدَ إِسْحَاقَ وَخَتَنَهُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ" (ع 8).
ثم يسترسل في حديثه عن حسد أخوة يوسف له بعد ولادته، وبيعهم له وذهابه إلى مصر (أرض العبودية) ولكن الله كان معه "وَأَنْقَذَهُ مِنْ جَمِيعِ ضِيقَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ نِعْمَةً وَحِكْمَةً أَمَامَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَ، فَأَقَامَهُ مُدَبِّرًا عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُلِّ بَيْتِهِ" (ع 10)، وهنا بذكره نزول يوسف إلى أرض مصر أرض العبودية.. تشبيهًا لنزول السيد المسيح الإله المتجسد إلى أرض الشقاء.
ثم يستكمل حديثه بذكره المجاعة التي جاءت على أرض مصر وكنعان والضيق العظيم الذي أتى على آباءنا حتى أنهم لم يجدوا قوتًا لهم ولمواشيهم.
فعندما سمع يعقوب أن في مصر قمح أرسل أولاده العشرة في أول مرة ثم تعرف عليهم يوسف في المرة الثانية، وسأل عن حال أبيه.. ثم بعث بعد ذلك يوسف إلى أبيه يعقوب وجميع عشيرته وكانوا نحو خمسة وسبعون نفسًا.
ثم نزل يعقوب وعشيرته إلى مصر أرض العبودية ويقول لهم "وَكَمَا كَانَ يَقْرُبُ وَقْتُ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَقْسَمَ اللهُ عَلَيْهِ لإِبْرَاهِيمَ، كَانَ يَنْمُو الشَّعْبُ وَيَكْثُرُ فِي مِصْرَ، إِلَى أَنْ قَامَ مَلِكٌ آخَرُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. فَاحْتَالَ هذَا عَلَى جِنْسِنَا وَأَسَاءَ إِلَى آبَائِنَا، حَتَّى جَعَلُوا أَطْفَالَهُمْ مَنْبُوذِينَ لِكَيْ لاَ يَعِيشُوا. وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلًا جِدًّا، فَرُبِّيَ هذَا ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ" (ع 17-20).
فلمَنْ يرمز موسى إلا لمَنْ هو "أَبْرَعُ جَمَالًا مِنْ بَنِي الْبَشَرِ" (مز 45: 2).. فبولادة موسى بدأت قصة خلاص شعب من عبودية فرعون.. وبولادة السيد المسيح بدأت قصة خلاص البشرية كلها من قبضة الشيطان..
ثم يوضح لهم اسطفانوس قصة خلاص موسى لشعب إسرائيل، ويقول لهم "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ" (ع 22)، وكان السيد المسيح "يَتَقَدَّمُ فِي الْحِكْمَةِ وَالْقَامَةِ وَالنِّعْمَةِ، عِنْدَ اللهِ وَالنَّاسِ" (لو 2: 52).
مزمور القداس (مز80: 1 -3)
يقول مزمور القداس "يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، اصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَالضَّأْنِ، يَا جَالِسًا عَلَى الْكَرُوبِيمِ أَشْرِقْ. قُدَّامَ أَفْرَايِمَ وَبِنْيَامِينَ وَمَنَسَّى أَيْقِظْ جَبَرُوتَكَ، وَهَلُمَّ لِخَلاَصِنَا. يَا اَللهُ أَرْجِعْنَا، وَأَنِرْ بِوَجْهِكَ فَنَخْلُصَ".
وهنا يوضح لنا مُناجاة البشرية كلها لراعيها وقائد حياتها.. فنحن هنا نقول لراعينا الحنون.. أشرق قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.. فنحن نتوق لخلاص السيد المسيح لنا.. نحن الخطاة نقول له يا الله أرجعنا وأنر بوجهك فنخلص.. فالخلاص آتي عن طريق مخلصنا الصالح.
إنجيل القداس (لو1: 57-80)
"وَأَمَّا أَلِيصَابَاتُ فَتَمَّ زَمَانُهَا لِتَلِدَ، فَوَلَدَتِ ابْنًا. وَسَمِعَ جِيرَانُهَا وَأَقْرِبَاؤُهَا أَنَّ الرَّبَّ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ جَاءُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ، وَسَمَّوْهُ بِاسْمِ أَبِيهِ زَكَرِيَّا. فَأَجَابَتْ أمُّهُ وَقَالَتْ: «لاَ! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا». فَقَالُوا لَهَا:«لَيْسَ أَحَدٌ فِي عَشِيرَتِكِ تَسَمَّى بِهذَا الاسْمِ». ثُمَّ أَوْمَأُوا إِلَى أَبِيهِ، مَاذَا يُرِيدُ أَنْ يُسَمَّى. فَطَلَبَ لَوْحًا وَكَتَبَ قِائِلًا: «اسْمُهُ يُوحَنَّا». فَتَعَجَّبَ الْجَمِيعُ. وَفِي الْحَالِ انْفَتَحَ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَتَكَلَّمَ وَبَارَكَ اللهَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى كُلِّ جِيرَانِهِمْ. وَتُحُدِّثَ بِهذِهِ الأُمُورِ جَمِيعِهَا فِي كُلِّ جِبَالِ الْيَهُودِيَّةِ، فَأَوْدَعَهَا جَمِيعُ السَّامِعِينَ فِي قُلُوبِهِمْ قَائِلِينَ: «أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟» وَكَانَتْ يَدُ الرَّبِّ مَعَهُ. وَامْتَلأَ زَكَرِيَّا أَبُوهُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَتَنَبَّأَ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ، وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ فِي بَيْتِ دَاوُدَ فَتَاهُ. كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِين الَّذِينَ هُمْ مُنْذُ الدَّهْرِ، خَلاَصٍ مِنْ أَعْدَائِنَا وَمِنْ أَيْدِي جَمِيعِ مُبْغِضِينَا. لِيَصْنَعَ رَحْمَةً مَعَ آبَائِنَا وَيَذْكُرَ عَهْدَهُ الْمُقَدَّسَ، الْقَسَمَ الَّذِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ أَبِينَا: أَنْ يُعْطِيَنَا إِنَّنَا بِلاَ خَوْفٍ، مُنْقَذِينَ مِنْ أَيْدِي أَعْدَائِنَا، نَعْبُدُهُ بِقَدَاسَةٍ وَبِرّ قُدَّامَهُ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِنَا. وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ. لِتُعْطِيَ شَعْبَهُ مَعْرِفَةَ الْخَلاَصِ بِمَغْفِرَةِ خَطَايَاهُمْ، بِأَحْشَاءِ رَحْمَةِ إِلهِنَا الَّتِي بِهَا افْتَقَدَنَا الْمُشْرَقُ مِنَ الْعَلاَءِ. لِيُضِيءَ عَلَى الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَهْدِيَ أَقْدَامَنَا فِي طَرِيقِ السَّلاَمِ». أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ".
هذا الفصل من الإنجيل يتحدث عن ميلاد يوحنا المعمدان الملاك الذي يهيئ الطريق أمام السيد المسيح.. والكنيسة لم تقصد بهذا الفصل أن تحتفل بميلاد يوحنا المعمدان لأنها خصصت له يوم ثلاثين بؤونة.. ولكن المقصود هنا هو الإشارة إلى تلك النبوة التي تكلَّم بها الوحي على لسان زكريا الكاهن والخاصة بظهور مخلصنا الصالح..
وهذا الجزء من الإنجيل يتكلم عن حدثين هما: ميلاد يوحنا السابق لمخلصنا - التنبؤ بقرب ظهور مخلصنا في الجسد.
أول نقطة يتكلم عنها الإنجيل هي ولادة أليصابات ليوحنا السابق.. فلما تمت شهورها التسعة ولدت ابنها الموعود به، وسرعان ما انتشر الخبر بين جيرانها وأقاربها بأن (الرب عظم رحمته لها), وذلك لأن الرب وهب العاقر ولدًا ففرح الكل لفرحتها بهذا الحدث.. وقد تمت بذلك النبوة التي قالها جبرائيل الملاك لزكريا حين بشرهُ بمولد ابنه وبحبل امرأته أليصابات "وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ" (لو 1: 14).
وفي اليوم الثامن اختتنوا الصبي كما أمر الله إبراهيم قائلًا: "هذَا هُوَ عَهْدِي الَّذِي تَحْفَظُونَهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ: يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ، فَتُخْتَنُونَ فِي لَحْمِ غُرْلَتِكُمْ، فَيَكُونُ عَلاَمَةَ عَهْدٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ. اِبْنَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ يُخْتَنُ مِنْكُمْ كُلُّ ذَكَرٍ فِي أَجْيَالِكُمْ: وَلِيدُ الْبَيْتِ، وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّةٍ مِنْ كُلِّ ابْنِ غَرِيبٍ لَيْسَ مِنْ نَسْلِكَ. يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. وَأَمَّا الذَّكَرُ الأَغْلَفُ الَّذِي لاَ يُخْتَنُ فِي لَحْمِ غُرْلَتِهِ فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ شَعْبِهَا. إِنَّهُ قَدْ نَكَثَ عَهْدِي" (تك 17: 10-14)، وكان الختان رمزًا للمعمودية وعلامة للتطهير، وحينما ولد الطفل أطلقوا عليه اسم أبيه زكريا في بادئ الأمر لإحياء اسم الوالد لأن هذا المولود كان الوحيد له وقد ولد له بعد كبر سنه.. ولكن الأم الحكيمة اعترضت متذكرة كلام الملاك.. بل يُسمىَ (يوحنا).
ولا شك في أن الروح القدس الذي أعلمها بحبل السيدة العذراء بربها.. هو الذي أعلمها باسم المولود (يوحنا) وذلك لأن زكريا كان منعقد اللسان في هذا الوقت.. فلما اعترض الحاضرون قائلين لم يُسمى أحد في عشيرتك بهذا الاسم من قبل.. تحولوا إلى زكريا لكي يسألوه عن اسم المولود وذلك بالإشارة فطلب منهم لوحًا وكتب (اسمه يوحنا) كما سماه الملاك وكتب عبارة (اسمه يوحنا) ولم يكتب (يوحنا) لكي يوضح لهم أن التسمية هي من الله وليست من عنده لكي لا يعترضوا عليه هو أيضًا.
فكما كان اسم يوحنا غريبًا على الكل وعلى العشيرة.. كان يوحنا غريبًا في حياته وفي رسالته.. جاء يُنادي بكل ما هو غريب بالنسبة لهم كقوله"مَنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيُعْطِ مَنْ لَيْسَ لَهُ" (لو 3: 11)، ومناداته بالتوبة لليهود والمعمودية لمغفرة الخطايا "فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (لو 3: 3).
كان من الطبيعي بعد أن رأى الناس العجائب التي حصلت بسبب ميلاد يوحنا.. الاسم الغريب، وانطلاق لسان زكريا أن يتساءلوا قائلين: "أَتَرَى مَاذَا يَكُونُ هذَا الصَّبِيُّ؟" (لو 1: 66) أي إذا كان ذلك حدث في مولده فماذا سيحدث بعد في حياته كلها.. وهذا ما حدث إذ كانت يد الرب مع الصبي فمنحه بركة لجسمه وعقله وروحه ليتقوى بها ويستطيع أن يعيش في البرية لابسًا الشعر محتملًا الحر والبرد مهيئًا نفسه بأن يقوم بعمله الكرازي مُمهدًا ومُعدًا للطريق أمام حمل الله.
وامتلأت أليصابات وزكريا زوجها من الروح القدس وتنبأ زكريا بعد استنارته وفك عقد لسانه مُمجدًا الله قائلًا "مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهُ افْتَقَدَ وَصَنَعَ فِدَاءً لِشَعْبِهِ" (ع 68)، وكان قاصدًا بالفداء هو ما صنعه المخلص من تحرير اليهود والبشرية كلها من الخطية وسلطان الشيطان عليها.
ثم قال زكريا "وَأَقَامَ لَنَا قَرْنَ خَلاَصٍ" (ع 69)، والخلاص هذا هو ما وعد به الله إبراهيم أن يباركه ويكثر نسله مثل نجوم السماء حيث قيل"بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي" (تك 22: 16- 18)، وقد تم هذا الكلام كله بظهور السيد المسيح من نسله.
وحينما ينقذنا المسيح من أعدائنا وهم الخطية والشيطان نعبده باطمئنان وبطهارة كاملة وبر كل أيام حياتنا.
ثم بعد ذلك التفت زكريا للطفل وتنبأ عنه قائلًا "وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى" (ع 76)، وكان يقصد بأنه نبي السيد المسيح الذي يسبقه ليُعد له الطريق.. كما قال إشعياء النبي "صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلًا لإِلَهِنَا" (إش 40: 3).
وقال أيضًا ملاخي "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (ملا 3: 1)، وقال أيضًا "هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ" (ملا 4: 5، 6).
وأخيرًا يختم لوقا البشير كلامه قائلًا "أَمَّا الصَّبِيُّ فَكَانَ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى بِالرُّوحِ، وَكَانَ فِي الْبَرَارِي إِلَى يَوْمِ ظُهُورِهِ لإِسْرَائِيلَ" (ع 80).
فبعدما تكلم لوقا البشير عن كل الحوادث التي اقترنت بميلاد يوحنا أخذ يُشير مجملًا إلى نشأته.. فقال أنه مع نموه الجسدي كان ينمو أيضًا ويتقوى بالروح.
وعندما ننظر إلى الخط الروحي في قراءات الأحد الرابع لشهر كيهك نجد.. أن مزمور العشية يتحدث عن صهيون التي ترمز إلى السيدة العذراء التي فرحت بسكنى الله فيها وحلوله في بطنها.. ويأتي إنجيل العشية ويُحدثنا عن إعالة السيدة العذراء أثناء حملها له، وحياته على الأرض.. كما كانت مريم المجدلية وأخرى تعوله من أموالهن.. ثم مزمور باكر يتكلم عن فرحة السموات وبهجة الأرض بمجيء المخلص.. وبعده إنجيل باكر يتكلم عن مغفرة السيد المسيح الذي فرحت الأرض به لكل الناس كل خطاياهم ما عدا رفضهم لعمل الروح القدس، فالشخص الذي يفقد رجاؤه هو الذي يجدف على الروح القدس.. فرجائنا الحي هو بالسيد المسيح.
ثم البولس يتحدث عن إبراهيم ونسله والوعد بمجيء الابن (ابن الوعد) وهو الذي يرمز للسيد المسيح (الابن الوحيد الذي في حضن الآب).
وينتقل بنا الكاثوليكون إلى إعلان ظهور الابن "حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ" (1يو 2: 28)، فإننا نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو.
ويتحدث الإبركسيس``Pra[ic ويؤكد فكرة ميلاد اسحق، وعهد الختان الذي أعطاه لإسحق، ويربط لنا حسد أخوة يوسف وبيعهم له.. كما حدث مع السيد المسيح وحسد اليهود له وبيعهم له.. أيضًا بتسليم يهوذا له بثلاثين من الفضة.. ثم يأتي صراخ مزمور الإنجيل قائلًا "يَا رَاعِيَ إِسْرَائِيلَ، اصْغَ، يَا قَائِدَ يُوسُفَ كَالضَّأْنِ" (مز 80: 1)، رابطًا بالإبركسيس الذي كان يتكلم عن يوسف وبيع أخوته له، لكن الله كان قائد حياته وحفظه لكي يكون مصدر حياة لكل العالم..
ويأتي إنجيل القداس ليختم هذه السلسلة.. ليقول لنا قصة ميلاد السابق للمخلص، وكل ما يتعلق بظروف مولده، ونطق زكريا أبوه بالنبوة له..
فليعطنا الرب أن نستقبل مخلصنا الصالح، ونعد له الطريق في حياتنا..
كما أعد يوحنا المعمدان الطريق أمامه.