القديسة الطاهرة مريم العذراء
dir="rtl" style="line-height: 1.38; margin-bottom: 0pt; margin-top: 0pt; text-align: center;">سؤال هام لماذا إختار الله عائلة العذراء مريم وما وجده فيها مختلف عن بقية
الناس .
نتحدث أولاً عن معنى الإسم الجليل لمريم
عن مركزها الرفيع
سنتحدث عن والدها يواقيم وما الذي يجعله مختلفاً عن أي شخص في إسرائيل
وسنتحدث عن والدتها حنه وكيف سمع الله لصوتها
سنتحدث عن حياتها النسكية في الهيكل
نظام تقديم العذراء كنديرة إلى الهيكل
مكان إقامتها في الهيكل
سلوكها النسكي في الهيكل
سلوكها وروح التعلم
وعن إعطائها ابنة أخرى غير العذراء مريم
وعن كنائس الغرب واهتمامهم بها
أقدم كنائس باسمها
عظمة العذراء
حياة أحاطت بها المعجزات
صوم العذراء
أعيادها
أولا : معنى الإسم الجليل
مريم : إسم شائع في فلسطين وهو قريب من معنى السيدة . ولهذا الإسم 67 معنى منها المحبوبة من الله والمشيرة
" الأب الدكتور متري هاجي اثناسيو : الموسوعة المريمية ص 109 "
" اسم مريم " يحمل رمزاً مرارة العبودية التي عاش منها إسرائيل في مصر
كلمة مريم هى مؤنث الكلمة الآرامية " مار " أي سيدة فكلمة مريم " تعني سيدة"
" القمص تادرس يعقوب ملطي " مريم في المفهوم الأرثوذكسي ص 55 ، 56
وهناك رأى أن " مريم " معناها " سيدة " أو " مرتفعة " وعلى هذا فاسم مريم له معاني كثيرة أشهرها : السيدة والمرتفعة والمشيرة والمحبوبة لدى الله
ثانياً : مركز العذراء الرفيع
إنها أبدع الخلائق طراً ، ومجدها يأتي بعد السيد المسيح له المجد ، فهى أعلى من الشيروبيم وأجل من السيرافيم ، هى سماء ثانية سكن فيها الله . هى عرش الله بل وأرفع من العرش ، لأن الله اتخذ جسده منها وتربع في أحشائها ، ورضع من لبانها ، حملته ودللته ، اعتنت به وقدرته ، إذ هو ابنها وهو إلهها . هي أعجوبة ويالها من أعجوبة !!
ليس هناك حدث تاريخى ، بعد تأنس ابن الله الحى ، أهم من ولادة مريم الكلية الطوبى . لذا بُشر بها ، وأشير إليها فى النبوات ، وليس من المستغرب أن تصرمت آلاف الأجيال استعداداً لمجىء أم الله ، وتأهباً لإبداع ملكة الأرض والسماء . فمنذ سقوط آدم وحواء ، وعد الله الجنس البشري بالخلاص والنصرة على الشيطان ، بأن يسحق نسل المرأة رأس الحية . أي يسحق يسوع المسيح ابن الله وابن مريم رأس الحية . " تك 3 : 15 "
سنتحدث أولاً : عن يواقيم والد العذراء القديسة مريم
كان في إسرائيل رجل إسمه يواقيم ، من نسل داود من سبط يهوذا ، وهو بن يوثام بن لعازر بن اليود الذي يُصعد في النسب إلى سليمان بن داود ، الذي وعده الله إن نسله يملك على بني إسرائيل إلى الأبد .
كان يرعى أغنامه ، خائفاً الله في بساطة قلبه واستقامته . وليس له من هم آخر سوى هم قطعانه ، التي كان يستخدم منتجاتها لإطعام الذين كانوا يخافون الله .
مقدماً قرابين مُضاعفة في خوف الرب ، ومُغيثاً المعوزين وكان يصنع ثلاث حصص من خرافة ، وأرزاقهم وكل الأشياء التي يملكها ، ويعطي واحدة للأرامل ، واليتامى ، والغرباء والفقراء ، والأخرى للمنذرين لخدمة الله ، ويحتفظ بالثالثة لنفسه وأهل بيته .
وقد ضاعف الله قطيعه بحيث لم يكن هناك أحد يُمكن أن يُقارن به في كل إسرائيل ، وبدأ يسلك هكذا منذ الخامسة عشرة من عمره .
وعندما بلغ العشرين من عمره ، اتخذ امرأته حنة من نفس سبطه ، من سبط
يهوذا من نسل داود .
وللحديث عن حنة والدة العذراء القديسة الطاهرة مريم
ولدت هذه القديسة في بيت لحم من سبط يهوذا ، ووالدتها تُدعى مريم من سبط يهوذا ووالدها يُدعى ماثان بن ملكي من سبط لاوي ، ولوالدها ثلاث بنات ، الأولى مريم بإسم والدتها وهى والدة سالومي القابلة التي جاءت إلى مصر مع العذراء وكانت مرافقة لها في كل رحلاتها . والثانية صوفية أم أليصابات والدة القديس يوحنا المعمدان . والثالثة هي القديسة حنة زوجة الصديق يواقيم من سبط يهوذا ، ووالدة السيدة العذراء القديسة مريم أم مُخلص العالم . وبذلك تكون السيدة البتول وسالومي وأليصابات بنات خالات .
وكان يواقيم يقدم لله قرابين مُضاعفة ، قائلاً في قلبه : لتكن خيراتي للشعب كله ، من أجل مغفرة خطاياي لدى الله ليشفق الرب علىً . وعندما حل عيد الرب الكبير عيد التكريس وكان أبناء إسرائيل يأتون قرابينهم فاحتج رأوبين رئيس الكهنة على يواقيم قائلاً له : " لا يحق لك أن تقدم قربانك . لإنك لم تنجب ذرية في إسرائيل . فاستولى على يواقيم حزن عظيم ، ومضى يُراجع أنساب الأسباط الإثنا عشر قائلاً في سره :" سوف أرى إن كنت الوحيد في أسباط إسرائيل الذي لم ينجب ذرية في إسرائيل .
تفحص سجلات الماضي ، رأى إن الأبرار كلهم أنجبوا ذرية ، لإنه تذكر إبراهيم الأب الذي رزقه الله . في أيامه الأخيرة ، إسحق إبناً فاغتم يواقيم لذلك ولم يشأ الظهور ثانية أمام إمرأته . فمضى إلى الصحراء ، ونصب فيها خيمته ، وصام أربعين يوماً وأربعين ليلة . قائلاً في قلبه :" لن أتناول طعاماً ولا شراباً ، وصلاتي ستكون طعامي الوحيد .
حزن حنة بسبب عدم إنجابها لذرية
وكانت حنة زوجة يواقيم تُعاني حزناً مُضاعفاً ، وكانت فريسة ألم مُضاعف ، قائلة :" إنني أرثي لترملي وعقمي " إلا إن عيد الرب الكبير حل " عيد التكريس " ، فقالت يهوديت خادة حنة ، لها : " إلى متى تستسلمين للحزن ؟ ليس مسموحاً لكي بالبكاء ، لأننا في العيد الكبير " عيد التكريس " ، خذى إذا هذا الرداء وزيني رأسك . فأنا خادمتك ، وأما أنتي فسوف تشبهين ملكة ، فأجابت حنة :" إبتعدى عني ، لا أريد أن أفعل شيئاً من ذلك ، إن الله أذلني بشدة ، أخشى أن يُعاقبني الله بسبب خطيئتك ، فأجابت الخادمة يهوديت :" ماذا أقول لكي ، ما دمت لا تريدين سماع صوتى ؟ إن الله أغلق بحق بطنك لئلا تُرزقى طفلاً لإسرائيل . وحزنت حنة جداً وخلعت ثياب حدادها ، وزينت رأسها وارتدت ملابس عرس ، ونزلت ، إلى الحديقة للتنزه ، وإذ رأت شجرة الغار ، جلست تحتها ، ووجهت صلواتها إلى الرب ، قائلة : " يا اله آبائي ، باركني واستجب صلاتي ، كما باركت أحشاء سارة ورزقها إسحق إبناً .
حنة تُرثى نفسها لعدم إنجابها
ورأت على شجرة الغار ، وهى ترفع عينيها إلى السماء ، عُشاً للعصافير ، فأنشدت مرثاة لنفسها قائلة :" واأسفاه ! بماذا يُمكنني أن أقارن ؟ لمن أدين بالحياة لأكون ملعونة هكذا في حضور أبناء إسرائيل ؟ إنهم يسخرون منى ويُحقرونني وقد طردونى من هيكل الرب . واأسفاه ! بمن أشبه ؟ أيمكنني أن أقارن بطيور السماء ؟ لكن الطيور مُثمرة أمامك ، يارب أيمكنني أن أقارن بطيور السماء ؟ لكن الطيور مُثمرة أمامك ، يارب أيمكنني أن أقارن بحيوانات الأرض ؟ لكنها مُثمرة أمامك يارب ، لا ، لا يمكننى أن أُقارن بالبحر ، لإنه سيكون بإسمك ، ولا بالأرض ، لأنها تعطي ثماراً في أوانها ، وتبارك الرب .
ظهور الملاك لحنة
وعندما قالت حنة ، أحمدك يارب ، لأنك شئت أن أكون وحدي مستثناه من أفضل جودك ، فأنت تعرف ، ياربي ، سر قلبي ، لقد نذرت ، منذ بدء رحلتي ، إنك لو رزقتني إبناً أو إبنة ، لكنت كرسته لك في هيكلك المقدس .
وعندما قالت ذلك ، ظهر لها ملاك الرب وسط هالة من نور سماوي ، فجأة أمام وجهها ، قائلاً لها : " لا تخافي ، يا حنة ، لإن الله قد استجاب لصلاتك ، وإنك ستحبلين وتلدين إبنة مباركة ، لأن نسلك في مجلس الله ، وستتعجب جميع الأجيال وتطوبها حتى الانقضاء لذلك الذي سيولد منك سيكون منه خلاص آدم وذريته اختفى الملاك تاركاً حنة في فرحة فياضة عامرة بددت حزنها .
إذن وهذا هام جدا جدا جدا " عند بشارة الملاك لحنة " قال لها إن الابنة ستكون مباركة ، وستتعحب جميع الأجيال وسوف يطوبونها . "
إذن ما معنى هذه العبارة :
معناها إن هذه الإبنة مختارة من قبل الحبل بها أصلاً في بطن أُمها " حنة " بمعنى انها مختارة من البداية . مثلها مثل يوحنا المعمدان ولكن هناك فرق كبير جدا جدا بين الاثنين .
فهل يصعب على الله أن تكون معصومة من الخطية . وطبعا ممتلئة نعمة منذ نعومة أظافرها . بمعنى إن هذه الفتاه ليست فتاه عادية . هذه الفتاه مختارة منذ نعومة
ظهور الملاك ليواقيم
وفي نفس الوقت ، ظهر شاب وسط الجبال ليواقيم وهو يُرعى قطيعة وقال له : " لماذا لا تعد إلى زوجتك ؟
فقال يواقيم :" كانت لي خلال عشرين عاماً ، إنما الآن ، بما إن الله لم يشأ أن أرزق منها أولاداً ، وطُردت من الهيكل بحقارة ، فلماذا أعود إليها ؟ لكنني سوف أوزع ، بيد خُدامى ، على الفقراء ، والأرامل ، واليتامى وكهنة الله الأرزاق التي تعود إليهم .
وعندما قال ذلك : " أجابه الشاب : " أنا ملاك الله ، وقد ظهرت لزوجتك التي كانت تبكي وتُصلي ، وعزيتها ، لأنك تركتها مُثقلة بحزن شديد ، أعلم في خصوص إمرأتك ، إنها ستحبل بإبنة ستكون في هيكل الله ، و يسكن الروح القدس فيها ، وتكون بركتها أعظم من كل النساء القديسات ، بحيث لا يستطيع أحد أن يقول إن لها مثيلة من قبلها ، ولا توجد مثيلة لها على مدى الأجيال ، وسيكون إبنها مباركاً ، وهي نفسها ستكون مباركة ، وستكون أم البركة الأبدية ، لذلك أنزل من الجبل وعُد إلى زوجتك ، واحمدا الله معاً العلى القدير .
فسجد يواقيم للملاك وقال له : " إن وجدت نعمة في عينيك ، فاسترح قليلاً تحت خيمتى ، وباركنى ، أنا خادمك .
فقال له الملاك : " لا تقل : أنا خادمك ، بل أنا رفيقك ، فإننا خدام رب واحد ، لإن طعامي غير مرئى ، وشرابي غير مرئي لا يمكن أن يراه البشر الفاني . إذاً، لا يجب أن تسألني الدخول تحت خيمتك ، بل ما كنت تريد إعطائي إياه -- قدمه محرقة لله ، فحينئذ أخذ يواقيم حملاً بلا عيب ، وقال للملاك :" ما كنت أجرؤ على تقديم محرقتي لو لم يعطنى أمرك حق ممارسة الكهنوت المقدس ؟
ما كنت لأدعوك إلى أن تُضحى ، لو لم أعرف إرادة الله ، والحال هذه حدث إن يواقيم حين قدم ذبيحة ، فصعد ملاك الرب إلى السماوات مع رائحة الضحية ودخانها .
حينئذ سجد يواقيم ووجهه إلى الأرض ، وطل هكذا حتى المساء وارتعب خدامه وأجراؤه ، وقد جاؤوا ولن يعلموا ما هو سبب ما يرونه ، و دنوا منه ، ظانين إنه مات ، وأنهضوه من على الأرض بمشقة . وعندما روى لهم ما رآه ، استولى عليهم ذعر شديد وإعجاب ، وحثه على أن يُنجز ما أمره به الملاك دون تأخير ، وأن يعود سريعاً لإمرأته . وحين كان يواقيم يُفكر في ذهنه عما إذا كان عليه العودة أم لا ، فاجأه النوم ، وإذا بملاك الرب ، الذي ظهر له بالأمس ، ظهر له وهو نائم ، قائلاً : " أنا الملاك المعين من الله حارساً ، أنزل دون خوف وعُد إلى حنة ، لأن أعمال الرحمة التي أتممتها ، أنت وامرأتك ، قُدمت في حضرة العلى ، وأُعطى لك نسل لم يناله لا الأنبياء ولا القديسون ولن ينالوه أبداً . ولما استيقظ يواقيم من نومه ، نادى إليه حُراس قطعانه ، وروى لهم ما رآه فسجدوا للرب ، وقالوا له : " أُنظر لا تستخف أكثر بما قاله ملاك الله ، بل أنهض ولنرحل ، ولنمضي في سير بطيء ونحن نرعى القُطعان .
ولما ساروا ثلاثين يوماً ، ظهر ملاك الرب لحنة ، التي كانت تتضرع ، وقال لها : " إذهبي إلى الباب المدعو المُذهب ، وتوجهي لإستقبال زوجك ، لأنه سيأتي إليك اليوم ، فنهضت سريعاً ، وانطلقت مع خادمتها ، ووقفت قرب ذلك الباب وهي تبكي ، وعندما إنتظرت طويلاً ، وكانت على وشك الإغماء من ذلك الإنتظار الطويل ، إذا بها وهي ترفع عينيها ، تبصر يواقيم الذي كان آتياً مع قطعانه . فركضت حنة ترتمي على عنقه ، شاكرة الله . وقائلة : كنت أرملة ، وها إنني لن أعود عاقراً ، وها إنني سأحبل . " وحل فرح عظيم بين الأهل كلهم والذين يعرفونها ، وكانت أرض إسرائيل بأسرها في حبور بسبب ذلك .
ولادة مريم وتقديمها للهيكل
ومن ثم حُبلت حنة ، وبعد تسعة أشهر تامة ، أنجبت ابنة اسمها مريم كما قال الملاك لهما ، وحين فطمتها في العام الثالث ، مضيا معاً ، يواقيم وزوجته حنة ، إلى هيكل الرب ، وقدموا القرابين ، وقدما ابنتهما مريم للهيكل ، لكي تفي بوعدها و نذورها ، لتكون مقبولة بين العذارى اللواتي يمضين النهار والليل يسبحون الرب ، ولتكون خادمة للرب في بيته ، ولما وضعت في هيكل الرب ، صعدت راكضة الدرجات من دون أن تنظر إلى الوراء ومن دون أن تسأل عن والديها ، كما يفعل الأطفال عادة . في امتلأوا كُلهم دهشة . لهذا المشهد ، واستولت الدهشة على كهنة الهيكل .
حياتها النسكية في الهيكل
عندما بلغت القديسة مريم من العمر ثلاث سنوات مضى بها ابواها ليقدِمنها إلى هيكل الرب ، الإيفاء بالنذر الذي نذراه ، وهكذا كانت طريقة تقديم السيدة العذراء الى الهيكل .
نظام تقديم العذراء كنديرة الى الهيكل
توجهت النذيرة المباركة مع والديها الى هيكل الرب ، وقد أتت بنات عذارى طاهرات حملن أمامها مصابيحاً من الشمع الملوكي ، إلى أن دخلن الهيكل . عندئذ حملها اثنان من الكهنة وباركها قائلين :
قد عظم الرب اسمك في سائر الأجيال ، وفي أخر هذه الآيام يظهر الرب خلاصه لبني إسرائيل ، ثم أجلسها على درج المذبح ، فحلت عليها نعمة الروح القدس مثل حمامة ، فكانت متهللة . عندئذ بارك عليها جميع بني إسرائيل . ومن العجيب أن القديسة العذراء مريم ذات الثلاث سنوات ، لم تلتفت إلى والديها عند رحيلهم ، بل كانت كالحمامة الوديعة الطاهرة .
مكان إقامتها في الهيكل
عاشت القديسة العذراء مريم في الهيكل حتى سن الثانية عشر من عمرها ، في أحد الغرف المخصصة للنساء ، حيث كان رواق النساء بالهيكل مُحاط بحجرات ، قد اُعدت مخصوص لإقامة النذيرات والأرامل اللاتي انقطعن للعبادة ، والقيام ببعض الخدمات -- كانت في خلالها تحيا حياة الملائكة نسكيات فائقة ، حيث كانت دائمة الصلاة والصوم ، " منُكبة على عمل اليد بكل طاعة وتقوى " .
سلوكها النسكي في الهيكل
وصدق القديس أمبروسيوس " هو أسقف ميلانو بإيطاليا ، عاش " 339 -- 397 م " من آباء الكنيسة العظام ومعلم القديس أغسطينوس ، له أناشيد دينية وتآليف عديدة في تفسير الكتاب المقدس والوعظ والطقوس .
حينما وصف حياتها النُسكية وسلوكها في الهيكل بأورشليم ، قائلاً : إن الطوباوية مريم البتول ، كانت متواضعة القلب ، مدققة في الكلام ، حكيمة في مخاطبتها مع الغرباء ، محبة لحياة الفقر والفقراء -- التي كانت سخية معهم في سد احتياجاتهم حسب امكانياتها -- كارهة البطالة ، باغضة للحسد ، غير مُريدة الشر لأحد .
كما كانت مُحتشمة في ملابسها بزيادة ، رصينة في الكلام ، رافضة المجد الباطل ، مُظهرة في كافة الآداب والاحتشام والرصانة والطهارة ، بنوع يُعرف منه بكفاية عظم قداسة سيرتها الباطنية .
وقد مدح أيضاً القديس ايرونيموس احتشامها و رصانتها وصمتها المقدس ، و مواظبتها على الصلاة والخلوة ، ومحبتها لرفيقاتها الأبكار اللواتي كانت تحضهم على الفضيلة وعمل الخير. كما كانت تُحب التعب والشغل وتتقن جميع أعمالها ، وتنام قليلاً وتكد كثيراً . ألفاظها كانت عذبة ، مُنادمتها لذيذة . وكثيراً ما كانت تُخاطب الملائكة وتناجي الله .
ويُذكر عنها أيضاً : أن مأكلها كان قليلاً ، فلم تكن تتغذى سوى بتلك الأشياء التي كانت ضرورية جداً لقيام حياتها ، غير مفتشة على لذة التذوق ، ولا على جودة النوع ، بل كانت تجوز أياماً كثيرة بالاصوام الانقطاعية ، وفي الوقت نفسه كانت محبة للتعب ، ومجتهدة في إتقان أعمالها ، غير مهتمة براحة جسدها ، كما كانت محبة للانفراد والوحدة .
ولهذا فكانت افكارها نقيه سامية عن كل الشرور ، ولا تثور فيها الحاسة المائلة الى الشهوات ، ولا تدع فكرها يجنح نحو حب المال ، ولا إلى أي جدال عالمي يسبب ضرراً شريراً ، فحب المجد الباطل لا يشتعل داخلها بأفعا المُراهقات ، لأنها كانت تتمتع بالبصيرة الروحية ، ومملوءة من حب الله . فمنذ طفولتها قامت بحزم في قداسة بلا عيب ، وسارت في الطريق بلا لوم -- وكان الرب موضوعاً أمام عينيها في كل أيامها . فإليه دائماً تنظر حتى تستنير ، وتجد فيه كل مسرتها.
سلوكها وروح التعلم
فحياة السيدة العذراء في طفولتها المباركة في الهيكل كانت هى الأساس الذي بُنى عليه البناء كله ، فهي كانت كالنحلة النشيطة مُحبة للتعلم في الروحيات بكل قواها ، حيث كانت نعمة الله توجهها في كل عمل صالح وتزيده ، فكانت تتعلم من هذا روح الحكمة ، ومن ذاك روح اقتناء الفضائل الروحية وكيفية ممارستها ، ومن تلك حياة الصمت وعدم الثرثرة ، ومن آخر روح التدين الإيجابي وليس المريض ، وآخر الثقة في وعود الله والإيمان المطلق بها ، مهما كانت بعيدة عن إدراك العقل وحسيته ، بالاضافة الى النعمة التي كانت ممتلئة بها وتُشبعها .
وقد كانت تُجالس الأتقياء من الكهنة ، أمثال : زكريا أبو القديس يوحنا المعمدان ، والتي كانت مرتبطة معه بصلة قرابة ، وكان شبه المسئول عنها أمام الرب بعد نياحة والديها .
وتعلمت القديسة الصغيرة من مُجالسة هذا البار ، الكثير والكثير من البر والورع والتقوى ، وكيفية السلوك في وصايا الرب وأحكامه بلا لوم ، وتطبيق الوصية بالروح لا بالحرف ، لأن الحرف يقتل أما الروح يُحيي .
كما كانت تُجالس سمعان الشيخ ، الذي كان يحكي لها بعض من وعود الله لشعب اسرائيل ، و مجيء المسيا المنتظر-- والتي كانت هي ايضاً تتلهف لقائه أو مجرد سماعه من بعد -- ولم تُدرك انها هي المختارة لتكون أماً له -- كما حُكى لها عما حدث معه منذ أن كان يترجم سفر أشعياء النبي ، وإنه كان يريد أن يترجم مبدلاً كلمة " عذراء " بكلمة " فتاة " -- ولم يتخيل إن الذي يُحاكيها هي بعينيها التي تنبأ عنها النبي -- وإنه لن يموت حسب قول الملاك له حتى يُعاين المسيح الرب الذي هو المسيا .
وأتخيلها وهي جالسة بجوار القديسة حنة بنت فنوئيل الكهولة في جسمها والنسورة في روحها ، وهي تأخذ إرشادها بحب منها .
كل هذه الممارسات النُسكية والأحاسيس الروحية ، التي مارستها القديسة العذراء في الهيكل ، وهي لم تتجاوز الإثنا عشر عاماً .
ما كانت إلا : الحمو الروحي القوي التي كانت روحها تحيا فيه ملتهبة بكل سمو . فهي لم تتعلم النسك بالمعنى الكامل له من أحد ، إلا الأصوام العادية عند اليهود ، أو الممارسات الطقسية الأخرى -- وتفسير الوصايا الإلهية ، والتي كانت تحياها
كل من كُرست في الهيكل للرب .
أقدم كنائس بإسمها
أقدم كنيسة بنيت على اسم العذراء في العصر الرسولي هي كنيسة فيلبي . وأقدم كنيسة بنيت باسمها في مصر ، كانت في عهد البابا ثاؤنا البطريرك 16 " سنة 274 م " .
ومن أشهر كنائسها ، كنيسة دير المحرق التي دشنت في عهد البابا ثاؤفيلس "23 " في بداية القرن الخامس " 6 هاتور " .
وكذلك الكنائس التي بنيت في الأماكن التي زارتها في مصر .
وبهذه المناسبة توجد لها كنيستين في أوروبا باسم " عذراء الزيتون " . إحداهما في فرنسا والثانية في فيينا .
عظمة العذراء
عظمة العذراء قررها مجمع أفسس المسكوني المقدس ، الذي انعقد سنة 431م بحضور مائتين من أساقفة العالم ، ووضع مقدمة قانون الإيمان التي ورد فيها : نعظمك ياأم النور الحقيقي، ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله ، لأنك ولدت لنا مخلص العالم ، أتى وخلص نفوسنا : فعلى أية الأسس وضع المجمع المسكوني هذه المقدمة ؟ هذا ما سنشرح الآن :
العذراء : هي القديسة المطوبة ، التي يستمر تطويبها مدى الأجيال ، كما ورد في تسبحتها ---
" هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني " " لو 1 : 46 " .
الكنيسة تلقب العذراء بالملكة وفي ذلك أشار عنها المزمور " 45 : 9 " ." قامت الملكة عن يمين الملك " ---
ولذلك : فإن كثيرين من الفنانين ، حينما يرسمون صورة العذراء يضعون تاجاً على رأسها ، وتبدو في الصورة عن يمين السيد المسيح .
ويبدو تبجيل العذراء في تحية الملاك جبرائيل لها " السلام لك أيتها الممتلئة نعمة . الرب معك . مباركة أنت في النساء " " لو 1 : 28 " . أي ببركة خاصة ، شهدت بها أيضاً القديسة أليصابات ، التي صرخت بصوت عظيم وقالت لها . مباركة أنت في النساء ، ومباركة هي ثمرة بطنك " " لو 1 : 42 " .
وأمام عظمة العذراء تصاغرت القديسة أليصابات في عيني نفسها ، وقالت في شعور بعدم الاستحقاق . مع أن أليصابات كانت تعرف أن أبنها سيكون عظيماً أمام الرب ، وأنه يأتي بروح إيليا وقوته " لو 1 : 15 ، 17 " .
" من أين لي هذا ، أن تأتى أم ربى إلىً " " لو 1 : 43 " .
ولعل من أوضح الأدلة على عظمة العذراء ، ومكانتها لدى الرب ، أنه بمجرد وصول سلامها إلي أليصابات ، امتلأت أليصابات من الروح القدس ، وأحس جنينها فارتكض بابتهاج في بطنها . وفي ذلك يقول الوحي الإلهي :
" فلما سمعت أليصابات سلام مريم ، ارتكض الجنين في بطنها ، وامتلأت أليصابات من الروح القدس " " لو 1 : 41 " .
إنها حقاً عظمة مذهلة ، أن مجرد سلامها يجعل أليصابات تمتلئ من الروح القدس ! منْ من القديسين ، تسبب سلامه في أن يمتلىء غيره من الروح القدس ؟! ولكن هوذا أليصابات تشهد وتقول " هوذا حين صار سلامك في أذني ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني .
امتلأت أليصابات من الروح القدس بسلام مريم ، وأيضاً نالت موهبة النبوة والكشف :
فعرفت أن هذه هي أم ربها ، وأنها " آمنت بما قيل لها من قبل الرب " كما عرفت أن ارتكاض الجنين ، كان عن " ابتهاج " . وهذا الابتهاج طبعاً بسبب المبارك في بطن العذراء " مباركة هى ثمرة بطنك " " لو 1 : 41 - 45 " .
عظمة العذراء تتجلى فى اختيار الرب لها ، من بين كل نساء العالم ---
الإنسانة الوحيدة التي انتظر التدبير الإلهي آلاف السنين ، حتى وجدها ، ورأها مستحقة لهذا الشرف العظيم الذي شرحه الملاك جبرائيل بقوله : " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " " لو1 : 35 " .
العذراء في عظمتها ، تفوق جميع النساء :
لهذا قال عنها الوحي الإلهي " بنات كثيرات عملن فضلاً . أما أنت ففقت عليهن جميعاً " " أم 31 : 39 " . ولعله من هذا النص الإلهي ، أخذت مديحة الكنيسة " نساء كثيرات نلن كرامات . ولم تنل مثلك واحدة منهن " -----
هذه العذراء القديسة ، كانت في فكر الله وفي تدبيره ، منذ البدء ففي الخلاص الذي وعد به أبوينا الأولين ، قال لهما إن " نسل المرأة يسحق رأس الحية " " تك 3 : 15 " . هذه المرأة هى العذراء ، ونسلها هو المسيح ، الذي سحق رأس الحية ، على الصليب -----
حياة أحاطت بها المعجزات
تبدأ المعجزات في حياة العذراء قبل ولادتها ، وتستمر بعد وفاتها ، ومنها :
حبل بها بمعجزة ، من والدين عاقرين ، ببشرى من الملاك .
معجزة خطوبتها ، بطريقة إلهية حددت الذي يأخذها ويرعاها
معجزة في حبلها بالمسيح وهي عذراء مع استمرار بتوليتها بعد الولادة .
معجزة في زيارتها لأليصابات ، التي لما سمعت صوت سلامها ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطنها وامتلأت بالروح القدس .
معجزات لا تدخل تحت حصر أثناء زيارتها لأرض مصر ، منها سقوط الأصنام .
أول معجزة أجراها الرب في قانا الجليل كانت بطلبها .
معجزة حل الحديد وإنقاذ متياس ، كانت بواسطتها .
معجزة استلام المسيح لروحها ، ساعة وفاتها .
معجزة ضرب الرب لليهود لما أرادوا الأعتداء على جثمانها بعد وفاتها .
معجزة صعود جسدها إلى السماء .
المعجزات التي تمت على يديها في كل مكان ، وضعت فيها كتب .
ظهورها في أماكن متعددة وبخاصة ظهورها العجيب في كنيستها بالزيتون ، وفي بابا دبلو.
ومازالت المعجزات مستمرة في كل مكان ، وستستمر شهادة لكرامة هذه القديسة .
صوم العذراء
تحتفل الكنيسة من أول مسرى " 7 أغسطس " بصوم السيدة العذراء ، وهو صوم يهتم به الشعب إهتماماً كبيراً ، ويمارس بنسك شديد . والبعض يزيد عليه أياماً . وذلك لمحبة الناس الكبرى للعذراء
وصوم العذراء مجال النهضات الروحية في غالبية الكنائس .
يعد له برنامج روحي ، لعظات كل يوم ، وقداسات يومية أيضاً في بعض الكنائس ، حتى الكنائس التي لا تحمل اسم العذراء .
ويقام عيد كبير للسيدة العذراء في كنيستها الأثرية بمسطرد .
أثناء صوم العذراء نحتفل بعيد التجلي المجيد يوم 13 مسري " 19 أغسطس " .
وفي نفس الشهر " 7 مسرى : 13 أغسطس " تذكار بشارة الملاك جبرائيل للقديس يواقيم بميلاد مريم البتول .
إن صوم العذراء ليس هو المناسبة الوحيدة التي تحتفل فيها الكنيسة بأعياد العذراء ، إنما يوجد بالأكثر شهر كيهك الذي يحفل مدائح وتماجيد وابصاليات للعذراء مريم القديسة .
وصوم العذراء يهتم به الأقباط في مصر ، وبخاصة السيدات ، أهتماماً يفوق الوصف .
كثيرون يصومونه " بالماء والملح " أي بدون زيت --- وكثيرون يضيفون عليه أسبوعاً ثالثاً كنوع من النذر . ويوجد أيضاً من ينذر أن يصوم هذا الصوم انقطاعاً حتى ظهور النجوم في السماء ---
فما السر وراء هذا الاهتمام ؟
محبة الأقباط للعذراء التي زارت بلادهم وقامت بمباركة بلادهم ، وتركت آثاراً لها في مواضع متعددة بنيت فيها كنائس .
كثرة المعجزات التي حدثت في مصر بشفاعة السيدة العذراء ، مما جعل الكثيرين يستبشرون ببناء كنيسة على اسمها .
ولعل ظهور العذراء في كنيستها بالزيتون وما صحب هذا الظهور من
معجزات ، قد أزاد تعلق الأقباط بالعذراء ، وبالصوم الذي يحمل اسمها .
أعيادها
كل قديس له في الكنيسة عيد واحد ، هو يوم نياحته أو يوم استشهاده ، وربما عيد آخر ، هو العثور على رفاته ، أو معجزة حدثت باسمه ، أو بناء كنيسة له .
لكن القديسة العذراء لها أعياد كثيرة جداً ، منها :
عيد البشارة بميلادها :
وهو يوم 7 مسرى ، حيث بشر ملاك الرب أباها يواقيم بميلادها ، ففرح بذلك هو وأمها حنة ، ونذرها للرب .
عيد ميلاد العذراء :
وتعيد له الكنيسة في أول بشنس .
عيد دخولها الهيكل :
وتعيد له الكنيسة يوم 3 كيهك . وهو اليوم الذي دخلت فيه لتتعبد في الهيكل في الدار المخصصة للعذارى .
عيد مجيئها إلى مصر :
ومعها يسوع المسيح وهو طفل ويوسف النجار ، وتعيد له الكنيسة يوم 24 بشنس.
عيد نياحة العذراء :
وهو يوم 21 طوبة ، وتذكر فيه الكنيسة أيضاً المعجزات التي تمت في ذلك اليوم . وكان حولها الآباء الرسل ما عدا القديس توما الذي كان وقتذاك يبشر في الهند.
العيد الشهري للعذراء :
وهو يوم 21 من كل شهر قبطي ، تذكاراً نياحتها في 21 طوبة .
عيد صعود جسدها إلى السماء :
وتعيد له الكنيسة في يوم 16 مسرى ، الذي يوافق 22 من أغسطس ، ويسبقه صوم العذراء " 15 يوم " .
عيد معجزتها " حالة الحديد " :
وهو يوم 21 بؤونة . ونذكر فيه معجزتها في حلً أسر القديس متياس ومن معه بحل الحديد الذي قيدوا به .
ونعيد أيضاً بناء أول كنيسة على إسمها في فيلبي .
وكل هذه الأعياد لها في طقس الكنيسة ألحان خاصة وذكصولجيات ، تشمل في طياتها الكثير من النبوءات والرموز الخاصة بها في العهد القديم .
عيد ظهورها في الزيتون :
على قباب كنيسة العذراء . وكان ذلك يوم 2 أبريل سنة 1986م واستمر مدى سنوات . ويوافق 24 برمهات تقريباً .
بالإضافة إلى كل هذا ، نحتفل طوال شهر كيهك " من ثلث شهر ديسمبر إلى 7 يناير " بتسابيح كلها عن كرامة السيدة العذراء .
العذراء مريم في عقيدة الكنيسة :
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم السيدة العذراء الإكرام اللائق بها ، دون مبالغة ، ودون إقلال من شأنها .
فهي في اعتقاد الكنيسة " والدة الإله " " ثيئوطوكوس " . وليست والدة " يسوع " كما ادعى النساطرة ، الذين حاربهم القديس كيرلس الأسكندري ، وحرمهم مجمع أفسس المسكوني المقدس .
والكنيسة تؤمن أن الروح القدس قد قدس مستودع العذراء أثناء الحبل بالمسيح . وذلك كما قال لها الملاك " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك . لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله " .
وتقديس الروح القدس ومستودعها ، يجعل المولود منها يحبل به بلا دنس الخطية الأصلية . أما العذراء نفسها ، فقد حبلت بها أمها كسائر الناس ، وهكذا قالت العذراء في تسبحتها " تبتهج روحي بالله مخلصي " لو 1 : 47 " .
لذلك لا توافق الكنيسة على أن العذراء حبل بها بلا دنس الخطية الأصلية كما يؤمن أخوتنا الكاثوليك .
وتؤمن الكنيسة بشفاعة السيدة العذراء . وتضع شفاعتها قبل الملائكة ورؤساء الملائكة ، فهي والدة الإله ، وهي الملكة القائمة عن يمين الملك .
والكتاب يلقب العذراء بأنها " الممتلئة نعمة " . وللأسف فإن الترجمة البيروتية -- إقلالاً من شأن العذراء -- تترجم هذا اللقب بعبارة " المنعم عليها " --- وكل البشر منعم عليهم ، أما العذراء فهي الممتلئة نعمة -- على أن النعمة لا تعني العصمة .
والكنيسة تؤمن بدوام بتولية العذراء . ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى أخوتنا البروتستانت . الذين ينادون بأن العذراء أنجبت بنين بعد المسيح .
وتؤمن الكنيسة بصعود جسد العذراء إلى السماء ، وتعيد له في 16 مسرى
. ألقابها ورموزها
ألقاب من حيث عظمتها وصلتها بالله
نلقبها بالملكة : القائمة عن يمين الملك . ونذكر في ذلك قول المزمور " قامت الملكة عن يمينك أيها الملك " " مز 45 : 9 " . ولذلك دائماً ترسم في أيقونتها علي يمين السيد المسيح . ونقول عنها في القداس الإلهي " سيدتنا وملكتنا كلنا -----" .
نقول عنها أيضاً " أمنا القديسة العذراء " . وفي ذلك قول السيد المسيح وهو على الصليب لتلميذه القديس يوحنا الحبيب " هذه أمك " " يو 19 : 27 " .
وتشبه العذراء أيضاً بسلم يعقوب : تلك السلم التي كانت واصلة بين الأرض والسماء " تك 28 : 12 " . وهذا رمز للعذراء التي بولادتها للمسيح ، أوصلت سكان الأرض إلى السماء .
وقد لقبت العذراء أيضاً بالعروس : لإنها العروس الحقيقي لرب المجد . وتحقق فيها قول الرب لها في المزمور " إسمعي يا إبنتي وانظري ، واميلي أذنك ، وانسي شعبك وبيت أبيك . فإن الملك قد اشتهى حسنك ، لأنه هو ربك وله تسجدين " " مز 84 " . ولذلك لقبت بصديقة سليمان ، أي عذراء النشيد . وقيل عنها في نفس هذا المزمور " كل مجد ابنة الملك من داخل ، مشتملة بأطراف موشاة بالذهب مزينة بأنواع كثيرة " .
وأيضاً تلقب بلقب الحمامة الحسنة : متذكرين الحمامة الحسنة التي حملت لأبينا نوح غُصناً من الزيتون ، رمزاً للسلام ، تحمل إليه بشرى الخلاص من مياه الطوفان --- " تك 8 : 11 " . وبهذا اللقب يبخر الكاهن لأيقونتها وهو خارج من الهيكل . وهو يقول " السلام لك أيتها العذراء مريم الحمامة الحسنة " . والعذراء تُشًبه بالحمامة في بساطتها وطهرها وعمل الروح القدس فيها ، وتشبه بالحمامة التي حملت بشري الخلاص بعد الطوفان ، لأنها حملت بشرى الخلاص بالمسيح .
وتُشًبه العذراء أيضاً بالسحابة . لارتفاعها من جهة ، ولأنه هكذا شبهتها النبوة في مجيئها إلى مصر .
نورد عن ذلك في سفر إشعياء النبي :
" وحي من جهة مصر : هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر . فترتجف أوثان مصر . ويذوب قلب مصر داخلها " " أش 19 : 1 " . وعبارة سحابة ترمز إلى ارتفاعها . وترمز إلي الرب الذي يجئ علي السحاب " مت 16 : 27 " .
ألقابها ورموزها من حيث أمومتها للسيد المسيح :
ومن الألقاب التي وصفت بها العذراء " ثيئوطوكوس " . أي " والدة الله " . وهذا اللقب الذي أطلقه عليها المجمع المسكوني المقدس المنعقد في أفسس سنة 431م . وهذا اللقب الذي تمسك به القديس كيرلس الكبير رداً على نسطور ---- وبهذا اللقب " أم ربي " خاطبتها القديسة أليصابات " لو 1 : 43 " .
ومن ألقابها أيضاً المجمرة الذهب : ونسميها " تي شوري " أي المجمرة بالقبطية . وأحياناً شورية هارون --- أما الجمر الذي في داخلها ، ففيه الفحم يرمز إلى ناسوت المسيح ، والنار ترمز إلى لاهوته ، كما قيل في الكتاب " إلهنا نار آكلة " " عب 12 : 29 " . بالمجمرة ترمز إلى بطن العذراء الذي فيه كان اللاهوت متحداً بالناسوت . وكون المجمرة من ذهب ، فهذا يدل على عظمة العذراء ونقاوتها . ونظراً لطهارة العذراء وقدسيتها ، فإن العذراء نسميها في ألحانها المجمرة الذهب .
تلقب العذراء بالسماء الثانية : لأنه كما أن السماء هي مسكن الله ، هكذا كانت العذراء مريم أثناء الحمل المقدس بها مسكناً لله .
تلقب العذراء بمدينة الله : وتتحقق فيها النبوءة التي في المزمور " أعمال مجيدة قد قيلت عنك يا مدينة الله " " مز 86 " . أو يُقال عنها " مدينة الملك العظيم " أو تتحقق فيها نبوءات معينة قد قيلت عن أورشليم ---- أو صهيون كما قيل أيضاً في المزمور " صهيون الأم تقول إن إنساناً وإنساناً صار فيها ، وهو العلي الذي أسسها --- " مز 87 " .
لقبت بالكرمة التي وجد فيها عنقود الحياة . أي السيد المسيح . وبهذا اللقب تتشفع بها الكنيسة في صلاة الساعة الثالثة ، وتقول لها " يا والدة الإله ، أنت هي الكرمة الحقانية الحاملة عنقود الحياة ----
وبصفة الأمومة لها ألقاب أخرى منها :
أم النور الحقيقي ، علي إعتبار أن السيد المسيح قيل عنه إنه " النور الحقيقي
الذي ينير كل إنسان " " يو 1 : 9 " .
وبنفس الطريقة لقبت بالمنارة الذهبية لأنها تحمل النور .
أم القدوس ، علي إعتبار أن الملاك حينما بشرها بميلاد المسيح قال لها " --- لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله " " لو 1 : 35 " .
أم المخلص ، لأن السيد المسيح هو مخلص العالم . وقد دعى اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " مت 1 : 21 " .
ومن رموزها أيضاً العليقة التي رآها موسى النبي : " خر 3 : 2 ". ونقول في المديحة " العليقة التي رآها موسى النبي في البرية ، مثال أم النور طوباها حملت جمر اللاهوتية ، تسعة أشهر، تسعة أشهر في أحشائها ولم تمسسها بأذية " . بالسيد الرب قيل عنه إنه نار آكلة " عب 12 : 29 " ترمز إليه النار التي تشتعل داخل العليقة . والعليقة ترمز للقديسة العذراء .
ومن رموزها أيضاً تابوت العهد : وكان هذا التابوت من خشب السنط الذي لا يسوس . مغشى بالذهب من الداخل والخارج " خر 25 : 10 ، 22 " ، رمزاً لنقاوة العذراء وعظمتها . وكانت رمزاً أيضاً لما يحمله التابوت في داخله من أشياء ترمز إلى السيد المسيح. فقد كان يحفظ فيه "قسط من ذهب فيه المن ، وعصا هارون التي افرخت " عب 9 : 4 " . ولوحا الشريعة " رمزاً لكلمة الله المتجسد ".
وهكذا تشبه العذراء ايضاً بقسط المن : لأن المن كان رمزاً للسيد المسيح ، باعتباره الخبز الحي الذي نزل من السماء ، كل من يأكله يحيا به ، أو هو أيضاً خبز الحياة " يو 6 : 32 ، 48 ، 49 " . ومادام السيد المسيح يشبه بالمن ، فيمكن إذن تشبيه العذراء بقسط المن ، الذي حمل هذا الخبز السماوي داخله .
وتشبه العذراء أيضاً بعصا هارون التي أفرخت : أي أزهرت وحملت براعم الحياة بمعجزة " عد 17 : 6 - 8 " . مع أن العصا أصلاً لا حياة فيها يمكن أن تفرخ زهراً وثمراً . وذلك يرمز لبتولية العذراء التي ما كان ممكناً أن تفرخ أي تنتج نسلاً . إنما ولدت بمعجزة .
خيمة الإجتماع " قبة موسي ". : خيمة الإجتماع ، كان يحل فيها الرب ، والعذراء حل فيها الرب . وفي الأمرين أظهر الله محبته لشعبه . وهكذا نقول في الأبصلمودية " القبة التي صنعها موسى على جبل سيناء ، شبهوك بها يامريم العذراء --- التي الله داخلها " .
فضائل العذراء
حياة الاتضاع : كان الاتضاع شرطاً أساسياً لمن يولد رب المجد . كان لابد أن يولد من إنسانة متضعة ، تستطيع أن تحتمل مجد التجسد الإلهي منها --- مجد حلول الروح القدس فيها --- ومجد ميلاد الرب منها ، ومجد جميع الأجيال التي تطوبها واتضاع أليصابات أمامها قائلة لها " من أين هذا أن تأتي أم ربي إلىً --- " " لو 1 : 48 ، 49 " . كما تحتمل كل ظهورات الملائكة ، وسجود المجوس أمام ابنها . والمعجزات الكثيرة التي حدثت من ابنها في أرض مصر ، بل نور هذا الابن في حضنها . لذلك كان ملء الزمان " غل 4 : 4 " ، ينتظر هذه الإنسانة التي يولد ابن الله منها. وقد ظهر الاتضاع في حياتها كما سنرى :
بشرها الملاك بأنها ستصير أماً للرب ، ولكنها قالت " هوذا أنا أمة الرب " " لو 1 : 38 " أي عبدته وجاريته . والمجد العظيم الذي أعطى لها لم ينقص إطلاقاً من تواضعها . بل أنه من أجل هذا التواضع ، منحها الله هذا المجد ، إذ " نظر إلى اتضاع أمته " فصنع بها عجائب " لو 1 : 48 ، 49 " .
وظهر اتضاع العذراء أيضاً في ذهابها إلى أليصابات لكيما تخدمها في فترة حبلها . فما أن سمعت أنها حُبلى -- وهى في الشهر السادس -- حتى سافرت إليها في رحلة شاقة عبر الجبال . وبقيت عندها ثلاثة أشهر ، حتى تمت أيامها لتلد " لو 39 : 1 - 56 " . فعلت ذلك وهى حُبلى برب المجد . ومن اتضاعها عدم حديثها عن أمجاد التجسد الإلهي .
فتح الله رحم حنة مرة أخرى
والمعروف عن حنة أم العذراء مريم إنها بعد أن ولدت العذراء مريم ، فتح الله رحمها فولدت بنتاً أخرى دعتها هي الأخرى بإسم " مريم " ، وهى التي عُرفت بإسم " مريم الأخرى " " مت 27 : 61 " ، " 28 : 1 " ، وقالت حنة : مريم الأولى " وهى العذراء " صارت من نصيب الله ، أما مريم فقد صارت من نصيبي ، ومريم الأخرى هذه ، وهى أخت العذراء مريم الصغرى ، هى التي كبرت وتزوجت برجل يُسمى حلفى أو كلوبا . وقد كان من عادة اليهود أن يكون للواحد إسم عبراني أو آرامي ، وإسم آخر يوناني -- فكان حلفى هو إسمه الآرامي ، وكلوبا هو إسمه اليوناني -- ومريم الأخرى وأخت العذراء الصغرى هى التي ولدت من كلوبا أو حلفى أولاداً هم " يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا وبنات أيضاً ، وقال الإنجيل إن اليهود قالوا عن المسيح " أليس هذا هو إبن النجار؟ أليست أمه تُدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا ؟ أو ليست أخواته جميعاً عندنا --- ؟ " مت 13 : 55 ، 56 " ، " مر 6 : 3 " .
والواقع ، إن هؤلاء لم يكونوا إخوة أشقاء للرب يسوع ، وإنما كانوا أولاد خالته مريم زوجة كلوبا ، كما كانوا أيضاً أولاد عمومة ، وذلك لإن كلوبا أو حلفى هو أيضاً شقيق ليوسف خطيب مريم العذراء على ما يروى " القديس أبيفانيوس أسقف سلامينا في قبرص نحو " 315 -- 403 م " . وعن القديس هيجيسيوس من آباء القرن الثاني "كتاب الرد على الهرطقات 78 : 7 " . وكذلك يقول يوسابيوس --- المؤرخ إن يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا لم يكونوا إخوة أشقاء للرب يسوع من أمه العذراء مريم ، ولكنهم كانوا له أولاد خؤولة وعمومة " يوسابيوس -- تاريخ الكنيسة ، الجزء الثالث ، فقرة 11 ، " فقرة 22 : 1 - 8 " ، " الجزء الرابع : فقرة 22 : 4 ، 5 " ، ولذلك عُرفت أخت العذراء مريم في الإنجيل بإنها " مريم أم يعقوب ويوسي " " مت 27 : 56 " .
وتحتفل الكنيسة الأرثوذكسية
في مصر و أقاليم الكرازة المرقسية في اليوم الحادي عشر من شهر هاتور ، بذكرى رقاد القديسة حنة أم العذراء الطاهرة مريم ، و انتقالها إلى عالم الخلود . وفي الشرق يحتفل الروم الأرثوذكس والكاثوليك بعيد انتقالها في اليوم الخامس والعشرين من شهر يوليو " تموز " .
أما في الغرب يحتفلون به في اليوم السادس والعشرين من نفس الشهر " يوليو -- تموز " ، ونعنى بالغرب ، على الأخص الكنيسة اللاتينية ، والكنيسة الأنجليكانية الأسقفية وتوابعها في بريطانيا وكندا .
والقديسة " حنة " عند الروم الأرثوذكس والكاثوليك عيد آخر يحتفلون فيه بها وبزوجها القديس " يواقيم " في التاسع من شهر سبتمبر " أيلول " .
ولقد بنى الإمبراطور جستنيان الأول " 483 -- 565 " أول كنيسة بإسم القديسة حنة ، في مدينة القسطنطينية ، في عام 565 لميلاد المسيح ، وأما رفاتها فاستقرت في روما في القرن الثامن ، بكنيسة القديسة ماريا الأثرية .
ولقد زاد الاهتمام بعيد القديسة " حنة " ، في الغرب منذ القرن العاشر . وفي العصور الوسطى صار الإحتفال بعيدها شعبياً ، وقد أصدر الحبر الروماني غريغوريوس الخامس عشر " 1621 - 1622 " ، براءة بجعل هذا العيد عاماً وإجبارياً ، والآن يحتفل بهذا العيد باحترام خاص في كندا وفي بريطانيا ، إذ يعتبرونها شفيعة وحامية لهم .
سؤال هام جداً جداً
لماذا تأخر ميلاد العذراء
لماذا أخر الله الميلاد على الرغم من إن الأثنين قديسين ؟
وعلى الرغم من أنهما متزوجان من سنوات طويلة ؟ أكيد إن هذا مقصود ، مقصود أن تأتي مريم في هذا الوقت بالذات ؟
لو كانت ولدت مريم قبل ذلك قد لا يكون الوقت المناسب لكي تكون العذراء التي تُحمل بالمسيح . لإن الخلاص أو مجيء المسيح من السماء له موعده في التدبير وفي الحكمة الإلهية .
كما قال الكتاب المُقدس في غلاطية ٤ " لما تم ملء الزمان أرسل الله إبنه مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين -. " غلا ٤ : ٤ " ، لما تم ملء الزمان بمعنى أن الزمان لمجيء المسيح مُرتب من السماء ، بأنه يأتي في وقت معين يشاؤه الله لخلاص البشرية ، لذلك المرأة التي تتشرف بأن تحمل المسيح الكلمة في أحشائها ، لابد أن تولد في وقت معين سابق مباشرة علي التجسد الإلهي ، فلو كان ميلادها قبل ذلك ما كانت مريم هي التي تُحمل بالمسيح وبذلك العذراء لها مهمة مُعينة ورسالة مُعينة أن تكون هي المرأة التي يتجسد منها المسيح لأن التجسد له زمن معين في التدبير والحكمة الإلهية فكان لابد إن المرأة التي تتشرف بأن يكون التجسد منها تأتي في وقت مناسب يكون سابقاً على نزول المسيح من السماء
المراجع
موسوعة الأنبا غريغوريوس
العذراء مريم حياتها ، رموزها ، ألقابها
أسقف الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي ص ٢٨
أبو كريفا العهد الجديد
الجزء الأول
الكتب المُسماة بـ أناجيل الطفولة والآلام
للقس عبد المسيح بسيط أبو الخير
كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد
مريم فخر جميع الأجيال
إعداد : القمص جورجيوس بانوب
مراجعة وتقديم : نيافة الأنبا داود أسقف المنصورة
سلسلة النسك ومشاهير النساك
حياة السيدة العذراء مريم النسكية
والتطبيق العملي على حياة الآباء النساك
الراهب القس : تيموثاوس المحرقي