<!-- Global site tag (gtag.js) - Google Analytics -->
<script async src="https://www.googletagmanager.com/gtag/js?id=G-5DQW5LQ2JZ"></script> <script> window.dataLayer = window.dataLayer || []; function gtag(){dataLayer.push(arguments);} gtag('js', new Date()); gtag('config', 'G-5DQW5LQ2JZ');style="text-align: center;">الاحتمال في حياة العذراءالفضائل في حياة العذراءأولاً</script>الفضيلة الثامنة
وسنتحدث اليوم عن الاحتمال في حياة العذراء
في بداية حديثنا سوف نتحدث عن المحبة تحتمل كل شيء ---- يوجد ناس أصبحت متعصبة جدا جداً وأصبح موضوع الأحتمال لديها صعب جداً جداً بسبب شدة الظروف الموجودة حواليها
العفة والطهارة في حياة السيدة العذراء
* حياة العفة والطهارة من أهم مقومات الحياة الروحية.. فهي التي تساعد الإنسان في جهاده الروحي وبناء حياته الروحية بناءً سليمًا، وعلى أساس صخري لا ينحل ولا ينهدِم أمام عواصف الحياة وصدمات التجارب.
* إن العفة تساعد الإنسان على تكوين علاقة قوية بين الإنسان والله عن طريق الصلاة.. وعلى عكس ذلك مَنْ يتهاون فيها تكون مُعطلًا قويًا في حياته وصلاته.. وذلك كما قال الأنبا موسى الأسود: "الذي يتهاون في عفة جسده يخجل في صلاته".
وهذا ما يحدث بالفعل.. فالذي يسلك أي سلوكًا شاذًا أو منحرفًا لا يستطيع أن يقف للصلاة.. فكيف يقف أمام الله بهيكل مُنهدم ومُدنس وفاسد.. "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ، لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو" (1كو3: 16-17).
هذه العفة تميزت بها السيدة العذراء مريم..
وعاشت طوال حياتها بطهارة.
* لقد عاشت السيدة العذراء مريم بتولًا طاهرة في بيت خطيبها يوسف النجار، وذلك رغم عقد الزواج الذي عقده ودوّنه لهم كهنة الهيكل.. فهي أمام الشريعة وأمام المجتمع متزوجة ليوسف النجار.
* هي صبية في سن الثانية عشر من عمرها، وهو شيخًا يُقارب الستين من عمره.. فهي كانت بمثابة الابنة أو الحفيدة معه في بيته، وهو كان يرعاها ويعولها.. لذلك حينما جاء الملاك ليبشرها بحَبَلها للسيد المسيح قائلًا لها: "ها أنتِ ستَحبَلينَ وتلِدينَ ابنًا وتُسَمينَهُ يَسوعَ.... فقالَتْ مَريَمُ للمَلاكِ: كيفَ يكونُ هذا وأنا لستُ أعرِفُ رَجُلًا؟" (لو1: 31-34).
هذا الموقف كان خطيرًا جدًا بالنسبة لها.. فهي تعرف نفسها جيدًا، وتعرف مدى حفاظها على نفسها وطهارتها.. فهي لم تقترب لرجل، ولم تسمح لأي رجل حتى يوسف نفسه أن يقترب إليها.. (فكيف يكون لها هذا؟)، ولم تطمئن لذلك إلاَّ حينما عرفت من الملاك أن هذا الحَبَل ليس من إنسان بل هو من الله.. "الرّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ علَيكِ، وقوَّةُ العلى تُظَلّلُكِ" (لو1: 35).
* وقد عاشت السيدة العذراء بتولًا طوال حياتها حتى بعد ولادتها للسيد المسيح لم تنجب أولادًا بعد أن ولدته الولادة المعجزية، وهذا هو إيماننا الأرثوذكسي السليم في دوام بتولية السيدة العذراء.. (بتول قبل الزواج، وقبل الحَبَل بالسيد المسيح، وبعد ولادتها للسيد المسيح).
* فقد عاشت السيدة العذراء حياة البتولية والعفة طوال حياتها حتى فارقت الحياة إلى الحياة الأبدية.
وأصبحت السيدة العذراء مَثلنا الأعلى..
الذي نحتذي به في التمسك بحياة العفة والطهارة..
رغم كل إغراءات العالم وشروره وانحرافاته.
فالطهارة هي حياة تشبه حياة الملائكة.. لأن الله خلق الحيوان بجسد وغرائز بدون روح، وخلق الإنسان بجسد وروح، وخلق الملائكة أرواحًا نورانية.. فهذا المخلوق المتوسط وهو الإنسان إذا سَلَك حسب غرائزه الجسدية وأهوائه الشهوانية تحوّل إلى حيوان، وإذا سَلَك بالروح ولم ينغمس في شهوات الجسد صار ملاكًا وهو ما زال على الأرض.. وعن ذلك يقول القديس يوحنا الدرجي: "مَنْ غَلَبَ جسده فقد غَلَبَ طبيعته، ومَنْ غَلَبَ طبيعته فقد صار فوقها، ومَنْ صار فوق الطبيعة الإنسانية فقد شارك الطبيعة الملائكية".
ويقول القديس كبريانوس الشهيد مُخاطبًا بعض العذارى: "لقد ابتدأتن الآن وأنتن في هذه الحياة أن تتمتعن بما سيكون لكّن في السماء بعد القيام لأنكن بحفظكن بكارتكن قد تشبهتن بالملائكة".
ويقول الآب يوحنا كاسيان: "إنه لا توجد فضيلة تعادل تشبيه البشر بالملائكة مثل فضيلة العفة، لأن البشر يعيشون بواسطة العفة وهم في الجسد كمَنْ لا جسد لهم وكأنهم أرواح مجردة".
والأكثر من ذلك.. أن هؤلاء البشر الذين يعيشون حياة العفة والطهارة، يكونون بدرجة أعلى من الملائكة، الذين ليس لهم أجساد تشتهي ضد أرواحهم.
وهنا أوضح نقطة.. أنه يوجد فرق كبير بين البتولية والعزوبية.. فالبتولية تختلف اختلافًا كبيرًا عن العزوبية في أنها مكرسة ومخصصة من أجل الله فقط، فهي ثمرة حبه الكامل، لأنها تحمل معنى روحي أسمى من العزوبية ولها قيمة مقدسة.
فالإنسان الذي كرّس بتوليته لله يختلف عن الإنسان الأعزب، الذي لم يتزوج لأنه لم يستحسن امرأة ما في الزواج، أو أنه قد يرى أن العزوبية أكثر راحة من تحمّل المسئولية وتحمّل مسئولية زوجة وأولاد، أو أنه يريد أن يعيش مُتحررًا من الأعباء.. أو قد يكون إنسان ذو شخصية أنانية مُحبة لذاتها، فهو لا يريد أن يفيد أحدًا بل يريد أن يأخذ باستمرار، فيرفض رباط الزوجية والقيود.. (وذلك حسب تخيله الشخصي).
والبعض قد يختارون العزوبية نتيجة صدمة معينة، فيمتنعون عن الزواج نهائيًا ليس حبًا في البتولية، ولكن رد فعل مُعاكس لهذه الصدمة، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى.. (في شخصية معينة.. كثرة فك الخطوبات.. عدم الصدق والصراحة من الطرف الآخر).
وهنا أتذكر قول للقديس "جيروم" مُوجّه للأمهات التي ترفض أن تبقي ابنتها عذراء مثال السيدة العذراء: "لماذا تغتاظين وتئنين إذا بقيت ابنتك عذراء؟ هل تحزنين لأن ابنتك اختارت أن تكون زوجة للملك وليس للعبد؟ لقد جاءت عليك بامتيازات عظيمة.. لقد أصبحتي الآن حماة الرب".
لذلك نجد أن الآباء القديسين والشهداء أحبوا هذه الحياة وفضلوها على كل شيء.. فنجد شهداء نالوا إكليل الشهادة من أجل حفاظهم على عفتهم، وتساووا في الإكليل مع مَنْ ناله من أجل حفاظهم على الإيمان والعقيدة.
مقال فضائل في حياة أمنا العذراء - أبونا القمص داود لمعي
فضائل في حياة أمنا العذراء من إنجيل لوقا الأصحاح الأول
الفضيلة الأولى: عدم التأثر بالمديح والكرامة
احتمال المديح أكثر صعوبة من احتمال الكرامة!
+ هناك تعليم -قد يكون غريب علينا بعض الشيء- عند آبائنا القديسين، فهم يقولون أن: " احتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة"! (بالطبع قد يكون كلاهما صعب علينا نحن كضعفاء). أي إذا أهانك أحد واحتملته أو تجاهلت الإهانة فهذا أمر صعب، ولكن الأصعب منه أن يمتدحك أحد دون أن تتأثر سلبيًا بالغرور أو الكبرياء أو الافتخار!
لا يوجد في التاريخ من كُرم أو طُوب أكثر من العذراء
+ نحن كما نعلم أنه لا يوجد في التاريخ من كُرم مثل أمنا العذراء! حتى في زمانها! كرمها رئيس الملائكة وكرمتها أليصابات وجاء المجوس (والمجوس كانوا ملوكًا) ليكرموها وركعوا تحت قدميها.
1- تحية رئيس الملائكة جبرائيل وتكريمه للسيدة العذراء
+ رئيس الملائكة جبرائيل عندما ظهر للسيدة العذراء قدَّم لها السلام وكلمها بكل إجلال واحترام قائلًا: "سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الممتلئة نعمة اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ" (إنجيل لوقا 1: 28).
+ وهناك معلومة لا بُد أن نذكرها هو أن تعبير "سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا!" - والمذكور على لسان رئيس الملائكة في الطبعة البيروتية للكتاب المقدس الذي بين أيدينا: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ» (إنجيل لوقا 1: 28) – تعبير خاطئ. فهذه الترجمة قام بوضعها الغربيين الذين لا يكرِّمون العذراء فلم يكونوا أمناء في الترجمة. بينما الترجمة الصحيحة كما وردت في النص القبطي المأخوذ عن الترجمة اليوناني الأصيلة: هي كلمة "الممتلئة نعمة" وليست" الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا ". لأن تعبير "الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا" يعني "التي نالت نعمة" وهذا يُمكن أن ينطبق على الكثيرين سواء من البشر العاديين أو القديسين.
ولكن كلمة "الممتلئة نعمة" لقب فريد بالعذراء، لم ولن يأخذه أحد في التاريخ غير السيدة العذراء مريم. لذلك نحن في التسبحة لا نقول: "المنعم عليها" ولكن نقول: "الممتلئة نعمة" لأننا نعلم حقيقة مكانتها وكرامتها، فهي ليست مجرد إنسانة أخذت نعمة كسائر القديسين والقديسات! ولكنها "الممتلئة نعمة".
+ أيضًا العذراء مريم قال لها رئيس الملائكة: " مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ" وهذه عبارة تعني ببساطة: "أنتِ أفضل سيدة ظهرت على وجه الأرض".
ماذا يُمكن أن يحدث لأي سيدة إذا قال لها أي إنسان: "أنتِ أفضل سيدة"؟! بالطبع مديح لا تحتمله أي سيدة دون أن تتأثر سلبًا بالغرور! أما العذراء فسمعت هذا المديح ومن رئيس الملائكةّ! ولكنها لم تهتز، لأنها كانت لا تتأثر بأي مديح أو كرامة.
+ ثم أبلغها رئيس الملائكة بالبشارة التي كانت أعظم حدث في تاريخ البشرية وهي أنها ستكون "أم الله" قائلًا: "لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ... اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ"
+ أي سيدة يمكن أن تحتمل كل هذه الكرامة؟!!! ولكن السيدة العذراء تلقت كل هذا التطويب وكل هذه الكرامة في هدوء شديد ومسكنه حقيقية، فهي بطبيعتها إنسانة متواضعة النفس وبسيطة واتجه تفكيرها مباشرة إلى خدمة أليصابات هذه السيدة التي حملت في شيخوختها، فسافرت مسافات طويلة وسط الجبال على قدميها لكي تساعد أليصابات وتقوم بالأعباء المنزلية بدلًا منها!
كيف يا أمنا العذراء تقومين بهذه الأعمال وأنتِ الآن أم الله الممجدة من الملائكة!!
كل التطويب والتمجيد الذي لاقته لم تتأثر به أدنى تأثر!
2- تحية أليصابات وتكريمها للسيدة العذراء
+ أيضًا أليصابات -هذه السيدة العظيمة المُسنة زوجة الكاهن (أبونا زكريا) والتي كانت بمثابة أخت جدة السيدة العذراء- يحكي لنا الكتاب المقدس عن استقبالها للسيدة العذراء فيقول: "فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَامْتَلأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟" (إنجيل لوقا 1: 43).
+ ونلاحظ هنا أن أليصابات عندما امتلأت بالروح القدس عرفت السر فقالت: "فَمِنْ أَيْنَ لِي هذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟" (إنجيل لوقا 1: 43)، وهذا يؤكد أن تعبيرات "أم الله أو أم الرب" تعبير أرثوذكسي، وتعبير كتابي، بشهادة أليصابات، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وقبلها قال لها رئيس الملاك "الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ" (إنجيل لوقا 1: 35).
من ذا الذي يستطيع أن يحتمل كل هذا التطويب وكل هذه الكرامة، إلا العذراء؟!
3- كيف استقبلت السيدة العذراء كل هذه التطويبات والكرامة؟
+ كان رد أمنا العذراء يدل على انشغالها وشبعها الكامل بالله فقالت: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، 47 وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي،48 لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،" (إنجيل لوقا 1: 46، 47).
+ والعذراء لا تقول عبارة "فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي" بكبرياء أو بافتخار، بل باستغراب من حقيقة رأتها بالروح القدس، بمعنى: معقول!! أنا العبدة الغلبانة المتواضعة أصبح مُكرمَّة من كل الناس! والمتواضعة هنا ليس المقصود بها التواضع كفضيلة بل تعني الذل أو المذلة.
إذًا أول فضيلة عظيمة في أمنا العذراء هي أنها لا تتأثر أبدًا بالمديح والكرامة بالرغم من أنها المُكرَّمة والمُمجَّدة على مر التاريخ، وبالرغم من أنه ليس من السهل أن يحتمل الإنسان المديح والكرامة دون أن يتأثر بها.
الفضيلة الثانية: انشغالها الدائم بالله!
+ أمنا العذراء في بداية حياتها لم تكن معروفة لدى الناس ولم تقم بأي معجزات في بداية حياتها، ولكن ما يميزها هو أن عقلها كان مشغولًا بالله طوال الوقت، 24 ساعة مشغولة بربنا ولا تفكر في نفسها إطلاقًا.
السيدة العذراء لم ترد على الملاك أو أليصابات إلا بالتسبيح وتمجيد الله!
+ أمنا العذراء عندما استقبلتها أليصابات وعانقتها ووجهت لها التحية، كان من الطبيعي كسيدات أن يتبادلا الكلام والأخبار، ولكن السيدة العذراء عندما حَيَّتْهَا أليصابات التي عرفت بالروح القدس عن حمل العذراء لم ترد السيدة العذراء عليها إلا بالكلام عن الله فقالت تسبحتها الجميلة: "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ" (إنجيل لوقا 1: 46-55).
+ نلاحظ أن كلمة "لأنه" وكل الأفعال التي بعدها عائدة على الله. لم تتكلم عن نفسها أبدًا، لم تذكر أنها سارت مسافة طويلة حتى وصلت لأليصابات، لم تذكر أنها تعبت في السفر في الجبال، لم تذكر أنها تركت يوسف ولا تدري ماذا ستقول له عندما تعود، لم تحكي عن مجيء الملاك لها... لم تذكر شيئًا من كل هذا الكلام!
+ ولكن كل ما كان يشغلها هو الله وإحساناته وما صنعه الله معها! كل الكلام وكل المجد لله (لأنه) وليس (لأني)! فهي ترى عمل الله في كل شيء.
الفضيلة الثالثة: التسليم وعدم القلق
+ ثالث فضيلة جميلة في أمنا العذراء هي التسليم وعدم القلق.
+ عندما نتأمل في حياة العذراء نجد أنها عندما حملت كانت طفلة صغيرة السن (13 أو 14 سنة) وكانت يتيمة الأبوين، وهذه مشكلة صعبة جدًا بالنسبة لأي بنت في هذه السن!
والمشكلة الأكبر كانت في "يوسف النجار" هذا الرجل المسن الذي كانت تعيش معه -وكان عمره في ذلك الوقت 90 سنة تقريبًا- فرغم أنه كان شديد الطيبة ويحبها جدًا كأنها حفيدته، إلا أنه لم يكن يعلم بحملها الذي لا بد أنه سيظهر عليها بعد عدة شهور!
+ أي إنسانة غير السيدة العذراء تواجه هذه الظروف لا بد أنها ستضطرب جدًا وتقع في الحيرة من أجل أمور كثيرة مثل: ماذا سيحمل المستقبل؟! كيف ستتصرف؟! وماذا ستقول لهذا الرجل الطيب الذي تعيش معه؟! ماذا سيكون موقف يوسف؟! هل تسافر لأليصابات أم لا؟! هل سيكون من الصالح لها أن تقول لأليصابات أنها حامل (مع ملاحظة أن العذراء سافرت لأليصابات وهي لا تعلم أن الروح القدس هو الذي سيقوم بمُهمة إخبار أليصابات أنها حامل وستكون أمًا لمُخلص العالم!)؟! وماذا سيقول عنها الناس لدى أليصابات؟! وهل سيقبل هيرودس الملك -هذا الرجل العنيف الذي يكره كل شيء- هذا الابن الذي ستلده؟!
+ كانت هناك هموم كثيرة كفيلة بأن تجعل أي سيدة لا تستطيع النوم. لكن السيدة العذراء لم تفكر في أي من هذه الأفكار، لم تقلق على أي شيء ، ولم تحمل هم أي شيء، لأنها كانت تعيش حياة التسليم الكامل، وكانت تثق في رعاية الله الكاملة لها، وتثق أنها (متشاله شيل)، وكان كل ما يشغلها التسبيح وحب الله والتأمل في إحساناته ورعايته لها، وكان كل شيء في حياة العذراء يسير حسب إرادة الله وبتسليم كامل من ناحيتها.
+ لذلك العذراء بالنسبة لنا هي أيقونة السلام. في وجهها سلام عجيب، فهي لا تضطرب أبدًا، دائمة الفرح بالرب، كانت كإنسانة مستقرة نفسيًا جدًا.
بالطبع لم يكن هذا السلام ناتجًا عن ظروف أفضل من ظروفنا، بالعكس كانت ظروفها أسوأ من ظروفنا جدًا: من الناحية الناس، لم يكن لها ناس؛ ومن ناحية المال، كانت فقيرة جدًا؛ ومن ناحية التحديات والتغييرات التي في حياتها، كانت كبيرة جدًا؛ ومع هذا كان لديها سلام عجيب ناتج عن تسليم حياتها لمشيئة الله وبلا حدود.
الفضيلة الرابعة: كانت قليلة الكلام جدًا بالرغم من تعمقها في دراسة الكتاب المقدس جدًا
+ بالرغم من أن الكلمات التي صدرت عن العذراء في الكتاب المقدس قليلة جدًا، إلا أن من كلامها تظهر شخصيتها.
السيدة العذراء كانت تحفظ تسابيح العهد القديم:
+ ومن فضائل أمنا العذراء التي تظهر في تسبحتها أنها كانت دارِسة جيدة للعهد القديم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. فالآباء وعلماء الكتاب ربطوا بين تسبحة حنة أم صموئيل وتسبحة العذراء ووجدوا أن الكلام متقارب، مما يدل على أن العذراء كانت تحفظ تسابيح العهد القديم (الكتاب المقدس).
السيدة العذراء كانت تفهم النبوات بعمق:
+ وقد قالت في تسبحتها كلام نتعجب أن يصدر منها في هذا السن الصغير، كلام عميق يدل على فهمها للكتاب المقدس حيث قالت: "عَضَدَ (الله) إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً،" (إنجيل لوقا 1: 54)، أي أن الله وعد شعبه وعد منذ آلاف السنين، وآن الأوان الذي يعضد فيه الله إسرائيل فتاه، ليذكر رحمته، أي أخيرًا رحمة ربنا ستظهر.
هذا يدل على أنها تفهم التجسد وتفهم أن الذي تحمله في بطنها هو المخلص وقد آن أوان الخلاص.
+ ثم قالت: "كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ" (إنجيل لوقا 1: 55)، هذه الآية البعض لا يفهمها جيدًا حتى الآن، ولكن العذراء تقولها بتلقائية، وهي تحفظ الوعد الذي قاله الرب لأبينا إبراهيم في سفر التكوين "وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ" (سفر التكوين 22: 18) وتعلم أن "نسل إبراهيم" الذي قصده الرب هو الذي هي حبلى به في بطنها!
كلمة "نسله" شرحها لنا بولس الرسول في غلاطية بالتفصيل وقال: "وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ" ( غلاطية 3: 16). فكلمة "نسله" في هذه الجملة، في اللغة العبرية لا تعني عدد (لأن جمع نسل أنسال) بل تعني شخص.
أغلب الناس كانت تظن أن البركة في كثرة أولاد إبراهيم، ولكن بولس بالروح القدس قال: "في نسلك يا إبراهيم" أي كان يتكلم عن شخص محدد جده الكبير إبراهيم.
+ كانت العذراء تفهم هذا الكلام جيدًا وهي في هذه السن الصغيرة وقالته في تسبحتها. كانت مستوعبة العهد القديم كله، ومستوعبة وعد إبراهيم، ومستوعبة كلمة "يذكر رحمته"، ووعده لإسرائيل، وكلمة النسل.. كل هذه الأمور كانت تفهمها أمنا العذراء.
+ وبالرغم من أن أمنا العذراء كانت متعمقة جدًا في دراسة الكتاب المقدس وكانت تفهم كل النبوات، إلا أن عظمتها تكمن في أنها لا تحكي ولا تتكلم كثيرًا، حتى ما تعرفه جيدًا وتفهمه جيدًا ودرسته جيدًا لا تتكلم فيه، "وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا" (إنجيل لوقا 2: 19).
فضائل السيدة العذراء تلقي الضوء على بعض مشاكلنا وعيوبنا
1- لهفتنا للمديح وتأثرنا الشديد بكلام الناس سواء كان مدحًا أو ذمًا!
+ بعضنا يعيش لكي يسمع كلمة مديح! وبعضنا يتأثرون بشدة بكلام الناس فكلمة تُفرحهم وكلمة تحزنهم!
+ نحن نعاني من عيب هو أننا لا نفرح فقط بالمديح بل نشحته!
فقد ترتدي الفتاه ملابسها وتنتظر من الجميع أن يمتدحون أناقتها، وإذا لم يُعلق أحد على ملابسها تصاب بالإحباط الشديد!
أو يشتري الشاب سيارة جديدة وعندما يسير بها ينتظر من الكل أن ينتبهوا إليه ويباركون له ويسألونه عن سعرها وعندما يجد أنه لم يلفت انتباه أي أحد يغتم جدًا!
هذا الإحباط يصيب أغلبنا لأننا للأسف متعلقين بأشياء تافهة.
+ وقد عبر السيد المسيح عن من يتأثرون بالمديح أو عدمه عندما امتدح يوحنا المعمدان -الذي هو بالطبع لا يفرق معه كلام الناس في شيء- " مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ " (إنجيل متى 11: 7)، (إنجيل لوقا 7: 24).
+ كان الكتبة والفريسيين يذهبون بكلمة ويأتون بكلمة، مغرمون بالمديح والكرامة، وأحيانًا تجد بعض رجال الدين يسعدون جدًا بكلام المديح ويحزنون جدًا إن ذمهم أحد!
+ أما السيدة العذراء كما ذكرنا، لم تكن تتأثر أبدًا بمدح أو ذم كان لا يفرق معها أبدًا رأي الناس لأنها مشغولة برأي الرب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. العالم كله يمجدها بينما هي عينيها ثابتتين على الرب. لم تنتفخ أبدًا ولم يصيبها الغرور أبدًا.
+ وحتى نصل للدرجة التي لا نتأثر فيها بكلام الناس سواء مدح أو ذم ، لا بُد أن نشبع جدًا بربنا، ولا بُد أن ننشغل جدًا بربنا طوال الوقت، بحيث لا نهتم إلا برأي الله نفسه، وبالتالي يكون رأي الناس مجرد كلام ليس له وزن. فالناس التي تمدحك اليوم قد تذمك غدًا!
2- نحن منشغلون بأنفسنا بدرجة كبيرة وليس لدينا وقت لننشغل بالله!
+ هناك طريقة تقيس بها مدى انشغالك بنفسك وهي أن تراقب كلامك العادي لمدة ساعة مثلًا، لتعرف عدد المرات التي ذكرت فيها الله وعدد المرات التي ذكرت فيها نفسك. غالبًا ستجد أنك تذكر نفسك كثيرًا بنسبة قد تصل إلى 99% من كلامك، وإذا ذكرت سيرة ربنا سيكون ذلك عن غير قصد!
+ أيضًا هناك ملاحظة أن بعض المتدينين لديه اعتقاد خاطئ أن بتكراره كلمة "أنا وحش" يظهر تواضعه أو تدينه! ولكن هذا مفهوم خاطئ لأن المتدين الحقيقي يشعر بجمال العشرة مع الله ويرى أن كل شيء حسن موجود فيه هو نعمة من الله، فدائمًا يُنسب المجد لله، بدلًا من تكرار كلمة "أنا وحش".
+ كلمة "أنا وحش" قد تكون نابعة عن صغر نفس، أو يأس، أو إحساس بالدونية، أو أي شيء من هذا القبيل لا يعطي أي راحة نفسيه للسامعين. التدين الحقيقي هو أن يكون الإنسان ممتليء وشبعان بربنا، ويتمتع بالعشرة مع الله ومشغول به ويراه طوال الوقت، ويرى عمله طوال الوقت، فينسى نفسه في حب الله ولا يعود يتكلم عنها بل كل كلامه عن الله وعمله.
+ كلام العذراء يدل على أن تركيزها كله كان في الله، ناسية نفسها والناس تمامًا ولا ترى أمامها إلا الله وعمله (الله شايلها شيل وصنع معها معجزات كبيرة...، ففرحانة به).
+ فضيلة جميلة أن ننشغل بالله طوال الوقت. كلام العذراء دعوة لنا أن ننسى أنفسنا بعض الشيء لأننا للأسف مشغولين بأنفسنا بدرجة كبيرة.
3- نحن نُكثر من الكلام. والكثير من الكلام ليس له داعي!
+ مشكلتنا يا أحبائي أننا نقول الكثير والكثير من الكلام الفارغ، والكثير ليتنا لا نقوله! وبهذا يُسرق عمرنا!
+ نحن نتكلم عن: الطبيخ - المواصلات - الطقس - الملابس - الغلاء - ..... نتكلم عن أشياء كثيرة لو تأملناها وراجعنا أنفسنا سنجد أن عمرنا يضيع هباء في هذا الكلام الذي ليس منه أي فائدة.
+ بينما العذراء بالرغم من صغر سنها كانت صامته، هادئة، لا يخرج من فمها كلمة بدون داعي. فهي إما أنها تتكلم مع الله، أو تقول كلمة مناسبة لشخص. وكلامها قليل جدًا ومناسب جدًا ومختصر. كانت تتقن تمامًا لفن الصمت وفن الكلام، وكل دقيقة في حياتها لها قيمة.
4- القلق وطياشة الفكر!
فكما أن الكثير من الكلام فارغ ولا داعي له، كذلك الكثير من أفكارنا فارغة وليس لها داعي.
+ مثل أفكار القلق على الأبناء، والقلق على الصحة، والقلق من السياسة، ... بينما في الواقع ما سيحدث سوف يحدث سواء فكرنا أم لا..
+ ويشغلنا أيضًا أفكار متابعة أخبار الناس أو الظروف أو الفلوس أو.. أو.. أو...، كل هذه المتابعات أيضًا ليس لها أي جدوى.
+ غالبًا ما يكون العقل تائه في أفكار مشتته شمال ويمين، أفكار في الماضي الذي لن نستطيع تغييره، وأفكار في المستقبل الذي هو في يد الله ولن نستطيع تغييره، كل هذه أفكار ضائعة.
تداريب نافعة لنا من حياة وشخصية العذراء
التدريب الأول: احسب للكلام
+ احسب للكلام وعندما تتكلم فكر أولًا: هل الكلام الذي سأقوله سيكون له فائدة أم لا (أي قبل أن تنطق بالجملة أو السؤال فكر فيه من كل الجهات)؟
+ لأن "كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ" (إنجيل متى 12: 36)، وكل دقيقة لها قيمة وسنعطي عنها حسابًا.
التدريب الثاني: وقف دماغك وانشغل بحضور ربنا
+ قد يبدو هذا التدريب صعب ولكنه يحتاج إلى ممارسة وتدريب Training.
فعندما أقول لك "وقف دماغك" أعني راقب نفسك، راقب أين يتوه تفكيرك وأوقفه، وستكتشف أن بالفعل أغلب الأفكار طوال اليوم ليس لها لزوم، وأغلب الأفكار تسير في اتجاه غير سليم.
+ ولكي نتعلم من العذراء فعلينا أن نشغل الفكر إما بالصلاة أو القراءة في الإنجيل.
"وقف دماغك" بتحويل كل فكر إلى صلاة:
+ حول كل فكر إلى صلاه (كل مشوار تقوم به صلي من أجله، كل شخص تقابله صلي له، كل مشكلة صغيرة أو كبيره صلي من أجلها) بذلك تكون قد قدست الفكر وأدخلت الله في كل شيء، وأصبح الله قريبًا من نفسك وممن حولك، لأنك وقفت دماغك وانشغلت بالله.
+ ربنا قريب وبجوارك، فلماذا إذًا تفكر بمفردك؟! لماذا لا تتكلم معه؟! لماذا لا تشركه معك في حياتك كلها، والله على استعداد أن يدخل في أدق التفاصيل وأصغر الأمور وأكبرها؟!
+ هذا التدريب قد يأخذ مجهود في بادئ الأمر لكي تعرف كيف "توقف دماغك"، لأن تداريب ضبط الفكر ليست سهلة وتحتاج إلى training ، ولكن من يتمكن من ذلك سيرتاح جدًا طوال عمره. لأن كل الأفكار المهدرة ستسير في اتجاه سليم.
"وقف دماغك" بالإكثار من قراءة الكتاب المقدس:
+ من الأشياء التي تساعدك على تدريب "وقف دماغك"، كلمة ربنا. عندما تقرأ كثيرًا في الإنجيل وتنشغل بكلمة الله ستكون في غاية السعادة مثل السيدة العذراء، وستتمتع مثلها بفضيلة التسليم "معك لا أريد شيئًا على الأرض".
التدريب الثالث: تذكر ضعفك ولا تصدق الكرامة أو المديح ولا تدعها تدخل قلبك
+ قلنا أن أمنا العذراء أكثر إنسانه على وجه الأرض لاقت مديح وكرامة وقد قابلت كل هذا بالنظر إلى ضعفها وبالتسبيح للرب وتمجيده على إحساناته الكثيرة في حياتها.
+ لماذا لا نتعلم من أمنا العذراء وندرك أن المديح تأثيره سطحي فعندما يمتدحك أحد لا يستمر فرحك أكثر من دقيقة وبعدها يتبخر هذا الفرح. لذلك عليك أن تتذكر ضعفك في لحظات الكرامة أو المديح.
إذا كرمك الناس أو امتدحوك أو طوبوك تمثل دائمًا بالسيدة العذراء التي قالت: "نظر إلى اتضاع أمته" (خليك غلبان جواك، مش غلبان قدام الناس)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. لا تتظاهر بالمسكنة لأن التظاهر بالمسكنة ليس من التواضع في شيء، بل كن مسكين بالحقيقة أي كن متواضع من الداخل بالفعل وعالم بضعفك.
مهما قال الناس عنك كلام مديح أنت تعلم جيدًا نفسك أنها ضعيفة، وأظن كلنا إذا كنا أمناء مع أنفسنا لن يقول أحدنا: "أنا قديس! أو أنا لا أخطئ! أو أنا أفضل الكل!" لأن من يقول هذا عن نفسه ليس أمين مع نفسه.
+ أذكر أنني كنت في الدير أحد المرات وحضرت تكريم أحد الأساقفة، وكان البابا شنودة -الله ينيح نفسه- يحبه جدًا وتكلم عن فضائله باستفاضة، فكان ذلك بمثابة كرامة كبيرة جدًا لهذا الأسقف خاصة أن الكلام من فم البابا شنودة. هذا الأسقف البار رد على هذا المديح بمقولة جاءت في البستان فقال: "كنتُ أخشى أن تتكلموا عن أخطائي وعيوبي، وأشكر ربنا جدًا أنكم لم تنتبهوا لأخطائي وعيوبي". أي أنه لم يسمع أي مديح بل أنه كان طوال الوقت منشغلًا ومتوجسًا لئلا يتكلم أحد عن عيوبه أو أخطائه (أو أي فضائح عنه!).
كان هذا شعوره بالرغم من أنه كان إنسانًا مليئًا بالتقوى. فهو يرى نفسه مليء بالأخطاء وظل يشكر الله كل لحظة أثناء مديحه "أشكرك يا رب هذه اللحظة قد مرت دون أن يذكر أحد شيئًا من عيوبي". فكان في وادي آخر غير الوادي الذي كان فيه كل الناس!
بالطبع هذا التواضع حقيقي، تواضع بجد وليس تمثيلية، لأنه صادر من القلب وصادر بتلقائية.
التدريب الرابع: المبادرة في الخدمة والخدمة في صمت
+ عندما قال رئيس الملائكة جبرائيل للسيدة العذراء: "وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، ...، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ" (إنجيل لوقا 1: 36، 37). نسيت أنها أصبحت أم الله "المسيا" مخلص العالم الذي كل سيدات اليهود من 1500 سنة ينتظرونه، وأنها هي التي ستلده! لم تفكر إلا في أليصابات السيدة العجوزة الحبلى، من الذي يخدمها!
بالرغم من أن الملاك لم يطلب منها خدمة أليصابات! وبالرغم من أنه من الطبيعي أن يكون لدى أليصابات من يخدمها فهي زوجة الكاهن "زكريا"! ولكن كل الذي فكرت فيه السيدة العذراء أن أليصابات سيدة عجوزة وحامل بابن في شيخوختها، فسافرت مسافة بعيدة وذهبت لتخدمها في صمت.
+ وأقول كلمة "بادر"، لأننا كثيرًا ما نُضيع إكليل كبير عندما ننتظر أن يطلب منا أحد الخدمة.
لكن عندما نقوم نحن بالمبادرة ونبحث عن المسن أو المريض أو الحزين أو المعوق أو المتألم، ونبادر ونفاجأه بأننا نبحث عنه، يكون أجرنا عظيم عند الله.
+ بادر بخدمة المحتاجين، واخدمهم في صمت. خذ من العذراء الفضيلتين: مبادرة الخدمة وأيضًا الخدمة الصامتة. الخدمة الصامتة أي التعب بلا تعليقات أو كلام أو شكوى.
كانت العذراء تخدم وهي فرحة بخدمتها وصامتة طوال الوقت لأنها مشغولة طوال الوقت بالتسبيح، خدمت أليصابات حتى جاء موعد ولادة يوحنا المعمدان وإطمأنت على أليصابات ورأت يوحنا المعمدان -وغالبًا العذراء حملت يوحنا المعمدان على يديها- ثم رجعت إلى بيتها لتخدم يوسف النجار المسن لأن دورها قد انتهى في بيت أليصابات.
فالعذراء كانت تبحث دائمًا أن يكون لها دور وخدمة وتعب. وحياتها كانت عبارة عن خدمة سواء خدمة مسنين أو خدمة محتاجين وخدمة صامتة.